حكم الوصية بكفارة الأيمان الحوانث، وسقوط الصلاة، والختمات، والإطعام
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
رقم الفتوى (5210)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
جاء في وثيقة وصية ما نصّه: “… م وهو في حال صحته وطوعه وجواز أمره، إنه أوصى إن أتاه أجله المحتوم.ٍ.. بثلث مخلفه من عقار، وما شمله من أجنة وما بها من أشجار على اختلاف أسمائه، ومواجل وحلفة وحيوان على اختلاف أجناسه وألوانه، وأثاث كذلك، يعمل منه يوم دفنه ليرة بنية سقوط صلاة، وثمانية ختمات كذلك، وعشرة مرطات شعير أمام نعشه يخرجن بالمد كفارة لأيمانه الحوانث، وكل سنة عشاء في شهر رمضان المعظم، وختمة كذلك على الدوام والاستقرار، هذا كله من غير ما ذكر من سقوط الصلاة والختمات الثمانية، أما الختمات وسقوط الصلاة يأخذهن من يحفظ القرآن ويدعون بما ذكر على مذهب من يرى ذلك، ويتولى ذلك أخوه خ، والناظرون عليه الفقراء العروسيين إن وقف، وإلا الفقراء العروسيين يعطوه من يحرث العقار ويأخذون غلته وغلة الأجنة ويصرفون ما ذكر، وكل عشاء ثلاثة مرطات دقيق بالكيل وغرّافين ونصف زيت وما بعدهن من بذر وغيره، والنصف في العشاوات والختمات المذكورات، النصف له والنصف لوالديه وصية صحيحة تنفذ في حياته وبعد مماته كوصايا المسلمين، وحرم فيها الرجوع على نفسه قاصدا بها وجه الله العظيم ورجاء لثوابه العظيم (إن الله يجزي المتصدقين)، لا تبدل ولا تغير، فمن بدل أو غير فالله حسبه وولي الانتقام منه…”، فما حكم تنفيذ هذه الوصية؟ وكيف تنفذ؟ مع العلم أن الثلث محصور في أرض بها أشجار مختلفة.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّ اللهَ تعالى جعل للمسلم الحقّ في الوصية بثلثِ ماله، إذا لم يكن لوارث؛ ففي الحديث: (إِنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ، زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ) [ابن ماجه: 2709]، ولا تصح الوصية بما يسمى بسقوط الصلاة، ولا بدفع الأجرة على قراءة القرآن؛ لأن سقوط الصلاة لا أصل له، وقراءة القرآن بأجرة لا تجوز؛ لقول رسول الله: (اقْرَءُواْ الْقُرْآنَ، وَلاَ تَغْلُوا فِيهِ، وَلاَ تَجْفُوا عَنْهُ، وَلاَ تَأْكُلُوا بِهِ، وَلاَ تَسْتَكْثِرُوا بِهِ) [أحمد: 15529]، أما الوصية بإخراج عشر مرطات من الشعير كفارة لأيمانه، فيلزم إخراجها كاملة إن كان أشهد عليها في حياته؛ لأنها من جملة الديون المترتبة في ذمته، فإن كان أوصى بها دون إشهاد؛ فيلزم تنفيذها في ثلث ماله، قال الدردير رحمه الله: “... (يُخْرَجُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ: حَقٌّ تَعَلَّقَ بِعَيْنٍ: كَالْمَرْهُونِ)… وَكَفَّارَاتٌ أَشْهَدَ فِي صِحَّتِهِ أَنَّهَا بِذِمَّتِهِ، فَإِنْ أَوْصَى بِهَا وَلَمْ يُشْهِدْ فَمِنْ الثُّلُثِ…” [الشرح الكبير: 458/4]، والوصيةُ بإقامة العشاء، المتعارف عليه بـ(التاليف)؛ صحيحة؛ لأنّها من إطعام الطعام للفقراء والمحتاجين.
وعليه؛ فالواجب على متولي الوصية؛ أن يُخرج كفارات الأيمان الموصَى بها كما سبق، وأما باقي ما أوصى به الميت؛ فليصرِفْ ريعَه نقدا للفقراء والمساكينِ والمحتاجينَ مِن طلبة العلم؛ لأنّ إطعام الطعام في الصورة الواردة في الوصية لا يصل إلى الفقراء المحتاجين، وإنما يُدعى إليه المعارف والأصحاب وغيرهم، ممن لا ينطبق عليهم الوصف الذي أراده المُحَبِّس، والإنفاق نقدا على الفقراء وطلبة العلم في معنى ما أوصى به الميتُ من إطعام الطعام، وبذلكَ يكون الناظر نفذ الوصية، وبرئت ذمته؛ لأنّ ما خرج لله يجوزُ أن يستعانَ ببعضه في بعض، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
عبد العالي بن امحمد الجمل
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
22//ذو القعدة//1444هـ
11//06//2023م