حكم بناء مسجد في أرض موقوفة لمقبرة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5737)

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

يوجد بمنطقة زاوية المحجوب مقبرة (سيدي الطيب)، وتبلغ مساحة أرضها 2030م2 تقريبا، حُبست قديما لتكون مقبرة، ولم يدفن بها إلا حوالي ثلاثين قبرا في مساحة 500م2 تقريبا، وهي مستوية بالأرض، وهجرت منذ خمسين سنة، وسبب امتناع الناس عن الدفن فيها أن أرضها صخرية لا تصلح للدفن، ولا يمكن الحفر بها إلا بواسطة الآلات الثقيلة، فما حكم الانتفاع بأرض الوقف هذه لبناء مسجد، حيث يبعد أقرب مسجد نحو 700م، كما يوجد مقبرة قريبة يدفنُ فيها أهل المنطقة تغني عنها؟

الجواب:

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أمّا بعد:

فالأصل أن يصرف الوقف في مصارفه التي وقف من أجلها، ولا يجوز صرفه لغيره؛ لأن اتباع شرط الواقف واجب، إذا خلا من مخالفة شرعية، ولكن أجازَ الفقهاءُ لناظر الوقفِ إذا تعذر صرف الوقف في مصرفه وخشي ضياعه أن يصرفَه بما يحقّقُ المصلحة، فيما نفعه أعم، والحاجة إليه أكبر؛ لأن الواقف لو كان حيا وقيل له ذلك ذلك ما منع منه، قال ابن رشد رحمه الله: “وَأَمّا بِنَاءُ المَسْجِدِ لِلصَّلَاةِ فِيهِ عَلَى الْمَقبَرَةِ العَافِيَةِ، فَلَا كَرَاهَةَ فِيهَ – كَما قَالَ- لِأَنّ المَقْبَرَةَ وَالمَسْجِدَ حُبُسَانِ عَلَى المُسْلِمِينَ لِصَلَاتِهِمْ، وَدَفْنُ مَوْتَاهُمْ، فَإِذَا عَفَتْ المَقْبَرَةُ وَلَمْ يُمْكِنِ التَدَافُنُ فِيهَا، أَوْ اسْتَغْنَوْا عَنِ التَّدَافُنِ فِيهَا، وَاحْتِيجَ إِلَى أَنْ تُتَّخَذَ مَسْجِداً يُصَلّى فِيهِ، فَلَا بَأْسَ بِذَلكَ، لأَنَّ مَا كَانَ للّهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْتَعَانَ بِبَعْضِ ذَلِكَ فِي بَعْضٍ عَلَى مَا النَّفْعُ فِيهِ أَكْثَرُ، وَالنَّاسُ إِلَيْهِ أَحْوَجُ” [البيان والتحصيل 2/220].

عليه؛ فإن كان الحال ما ذكر، فبناء المسجد على الأرض التي ليست بها قبور لا حرج فيه، ولا يجبُ نبش القبور القديمة وإخراجُها، ويجب أن تكون مصونة داخل السياج الخارجي لأرض المسجد؛ حتى لا يتعدّى عليها. والله أعلم.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد بن ميلاد قدور

حسن بن سالم الشّريف

الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

14//صفر//1446هـ

18//08//2024م