بسم الله الرحمن الرحيم
رقم الفتوى ( )
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
رجل وقف أرضا على أن يصرف ريعها على مسجد قد بناه من قبل، وعين أكبر ورثته ناظرا له، ثم مَن بَعده من الأخوة وأبنائهم، وأنه من يتولى الإمامة والخطابة والإشراف على المسجد، وبعد فترة أرادت اللجنة المشرفة على المسجد صيانته، فقرروا أن يبيعوا الأرض الموقوفة، فاشترط عليهم من أفتاهم أن يبيعوا الأرض، ويشتروا مكانها ما يُجعل وقفا كالمحلات وغيرها، إلا أن اللجنة المشرفة لم تلتزم بشروط الفتوى، ولم تستبدل الأرض بما يعود بالنفع على المسجد، بل صرفتها في تجديد بناء المسجد، والآن بعض أحفاد الواقف يطالبون بتنفيذ وصية الواقف بالإشراف على المسجد والأوقاف التابعة له، مخافة الضياع وتربص بعض الناس بالأوقاف، فما الحكم في صرف مال الأرض لتجديد المسجد؟ وهل يلزم من تصرف في المال ردّه؟ وما الحكم فيما إذا لم يكن في ورثة الواقف من تتوفر فيه شروط الإمامة والخطابة؟ وهل يحق لمن يستطيع بعض الأمور المكلف بها الناظر أن يوكل غيره مثل الخطابة والإمامة؟ وهل إن كان في الورثة من تتوفر فيه الشروط أن ينفذ وصية الواقف؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالأصل أن عقار الحبس لا يباع ولا يتصرف فيه بمبادلة ولا غيرها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر في صدقته: “أمسك أصلها وسبل الثمرة”، وقول عمر بعد ذلك: “لا يباع ولا يوهب ولا يورث” [النسائي:6432]، وفي المدونة قال سحنون: “بقاء أحباس السلف خِرَابا دليل على أن بيعها غير مستقيم” إلا أن بعض العلماء قد أفتوا بجواز بيعه ومعاوضته بغيره، إن عدمت منفعته، أو صارت في حكم المعدومة؛ رعاية للمصلحة التي اعتنى بها الشارع، واتباعا لقصد الواقف، ففي المعيار المعرب: “قد سئل أبو العباس بن لب عن بيع حبس تداعى للسقوط؟ فأجاب: يسوغ بيعه على الصحيح من القولين، ويعوض بثمنه للحبس ما يكون له أنفع، وإن وجد من يعامل به فهو أحسن إن أمكن”.
فمن باع الحبس المذكور لزمه أن يعوض عنه بحبس آخر يعود ريعه على المسجد المحبس عليه، وما ذكره السائل من تساهل اللجنة المشرفة في أخذ مال الحبس وصرفه على تجديد المسجد أمر مخالف لقصد الواقف من بقاء الحبس واستمراره، وفيه ذهاب منفعة الحبس بالكلية، فعليهم إما أن يستبدلوا الأرض المحبسة بأرض أخرى توقف عوضا عنها، وإما أن يشتروا بقيمة الأرض التي أخذت عقارا آخر.
والناظر الذي عيّنه الواقف للقيام بشؤون الأحباس إن كان موجودا قادرا على أداء وظيفته ورضي بالنظارة، وجب عليه القيام بوظيفته كما نص المحبس، وإن لم يكن قادرا أو مات من عيّنه الواقف، والواقف حي عيّن غيره، فإن مات الواقف وكان له وصي على أملاكه فالحق له في تعين الناظر، وإلا التُجِئ إلى القضاء ومؤسسة الأوقاف لتعيين من يصلح لذلك، وليس للناظر أن يعهد لغيره بالنظارة إلا إن جعل الواقف له الحق في ذلك.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم