حكم بيع الدخان وشراؤه
بسم الله الرحمن الرحيم
الفتوى رقم ( )
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
ما حكم شرب الدخان؟ وهل شارب الدخان عاص لله عز وجل؟ وما حكم بيعه وشرائه وإيصاله للآباء من قبل الأبناء؟ وكذلك كيف يُرد على من يقول بأن الدخان لم يثبت تحريمه، وليس فيه نص صريح على حكمه لا في الكتاب ولا في السنة، وأن بعض العلماء جعله مكروهاً؟ وكيف نرد على من يتعذر ويقول بأن الأمر قد استفحل وعم بين الناس، وأن عدم بيعه في المحلات الغذائية يُنقص عدد الزبائن؟ وما حكم من يؤذي المصلين به؟ وما حكم من بنى كشكاً في الطرقات لبيعه دون إذن من الدولة؟ وما نصيحتكم للجهات المسؤولة القائمة على مصالح الناس وإرشادهم ووعظهم؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد :
فإن الأدلة على تحريم التدخين واضحة، وهي تقوم على أصل من أصول الدين المتعلق بحفظ النفس وصيانتها، فكل ما يؤدي إلى إفساد النفس والمال يكون حراماً باتفاق أهل العلم، ولا شك في خبث الدخان ونتنه بإجماع أهل الاختصاص، والخبائث محرمة شرعا لقول الله تعالى: “ويحل لهم الطيبت ويحرم عليهم الخبائث”، ولما فيه من ضرر، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا ضرر ولا ضرار”، وهي قاعدة عامة، لا يصح بأي حال من الأحوال تجاوزها، كما أن بيعه حرام؛ لأن الله عز وجل إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه” رواه أحمد وابن حبان.
وليس من الضروري أن ينص الشارع على كل فرد من المحرمات، وإنما هو يضع ضوابط أو قواعد تندرج تحتها جزئيات شتى، وأفراد كثيرة. فإن النصوص يمكن حصرها، أما الأمور المفردة فلا يمكن حصرها. ويكفي أن يحرم الشارع الخبيث أو الضار؛ ليدخل تحته ما لا يحصى من المطعومات والمشروبات الخبيثة أو الضارة، ولهذا أجمع العلماء على تحريم الحشيشة ونحوها من المخدرات، مع عدم وجود نص معين بتحريمها على الخصوص.
أما من يقول: إنه لا يبيعه إلا لجلب الزبائن؛ لكثرة المدخنين، فالجواب: من الذي يجلب الزبائن؟ ومن الذي تكفل بالأرزاق؟ أهو الدخان؟ أم الله جل جلاله، وتقدست أسماؤه؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، بل إنه من سوء الظن بالله عز وجل، كما أن إيصاله وجلبه يعد من الإعانة على الإثم، والله تعالى يقول: “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان”، وإقامة دكاكين وأكشاك لبيع الدخان حرام سواء كانت بإذن الدولة أم لا؛ لأن حكم الحاكم لا يحل الحرام ولا يحرم الحلال، كما أن رائحته الكريهة تؤذي الناس الذين لا يستعملونه، وعلى الخصوص في مجامع الصلاة ونحوها، بل وتؤذي الملائكة المكرمين، وقد روى الشيخان في صحيحيهما عن جابر مرفوعاً: “من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا وليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته”، ومعلوم أن رائحة التدخين ليست أقل كراهية من رائحة الثوم والبصل، وفي الصحيحين أيضا عن جابر رضي الله عنه: “أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الناس”، وفي الحديث عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: “من آذى مسلما، فقد آذاني، ومن آذاني، فقد آذى الله” [رواه الطبراني بإسناد حسن].
وعلى الجهات المسؤولة أن تتكاتف لمقاومة هذه الآفة الضارة بالصحة، والتي ستكلف الدولة الأموال الطائلة في علاج المصابين بضرره، وأن يتقوا الله في شبابنا الذين هم عماد البلاد، ولئن خسرت خزانة الدولة الملايين، فإن صحة الأمة وأبنائها، الجسمية والنفسية، أهم وأغلى من الملايين. والواقع أن الدول هي الخاسرة ماليا عندما تسمح بالتدخين؛ لأن ما تنفقه في رعاية المرضى الذين يصيبهم التدخين بأمراض عديدة وخطيرة تبلغ أضعاف ما تجنيه من ضرائب تفرضها على التبغ، بالإضافة إلى ما تخسره من نقص الإنتاج بسبب زيادة تغيب المدخنين عن العمل نتيجة ما يعانونه من أمراض. والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم