بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4875)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
توفي زوجي إثر حادث سير، وخلَّف ابنين، وبنتًا، وأمًّا، ولم يترك إلا البيت الذي نسكنه، وقد تزوجني بصداق قدره ألف دينار معجلة، وخمسونَ ليرة ذهبية مؤجلة لأقرب الأجلين، لم أقبض منها شيئا، ونريد الآن تقسيم التركة، فهل يحق لي استيفاء الدين (مؤخر الصداق) قبل قسمة التركة؟ وكيف تقدر قيمة الليرات؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فمؤخر الصداق إذا لم يعطه الزوج للمرأة في حياته، فهو من جملة الديون، التي يجب سدادها عن الميت من تركته قبل قسمتها، ومؤخر الصداق إذا كان مكتوبًا في العقد (جرامات) ذهب، دون النص على قيمتها بالدينار الليبي، فالحق الثابت للمرأة قبضُ ليرات الذهب كما هو مكتوب؛ لأنها عين الدين، وإذا رضيت المرأة بأخذ قيمة الليرات فلها ذلك، ولكن بالسعر الذي ترضاه، لا أن يُفرض عليها من قبل ورثة أو أقارب الزوج المتوفى؛ لأن هذا عقدُ مصارفة جديد، لا علاقة له بعقد الزواج، والعقود شرطها الرضا بالإجماع؛ لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ)[أحمد: 20695]، على أن يتم دفع القيمة في مجلس الاتفاق، دون تأخير؛ لأن أخذ النقود عن الذهب من الصرف، الذي يجب فيه التقابض في المجلس؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالفِضَّةُ بِالفِضَّةِ، والبُرُّ بِالبُرِّ، والشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، والتَّمْرُ بالتَّمْرِ، والمِلْحُ بِالمْلِحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) [مسلم: 1587].
لكن لما كان مؤخر الصداق في عقد النكاح مؤجلا لأقرب الأجلين، كما هو في العقد المرفق مع السؤال؛ فإن عقد النكاح يثبت بعد الدخول، ويُنظر إلى الصداق المسمى الحلال وصداق المثل، فيثبت بالأكثر منهما، ولا يحسب الجزء المؤجل لأجل مجهول، قال الدردير رحمه الله عاطفًا على ما يفسد به النكاح: “(أَوْ) بِصَدَاقٍ (بَعْضُهُ) أُجِّلَ (لِأَجَلٍ مَجْهُولٍ) كَمَوْتٍ أَوْ فِرَاقٍ أَوْ قُدُومِ زَيْدٍ وَلَا يُعْلَمُ وَقْتُ قُدُومِهِ فَفَاسِدٌ، يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِالْأَكْثَرِ مِنَ الْمُسَمَّى الْحَلَالِ وَصَدَاقِ الْمِثْلِ، وَلَا يُلْتَفَتُ لِلْمُسَمَّى الْحَرَامِ، فَيُلْغَى … (أَوْ لَمْ يُقَيَّدْ لِأَجَلٍ) بِزَمَنٍ بِأَنْ قِيلَ: الْمُعَجَّلُ كَذَا وَالْمُؤَجَّلُ كَذَا. وَلَمْ يُبَيَّنِ الْأَجَلُ” [الشرح الصغير: 2/442].
عليه؛ فتستحق الزوجة خمسين ليرة ذهبية؛ لأن الظاهر أن العرف في بلاد العقد جعلُ مؤخر الصداق خمسين ليرة، سواء أُجِّل بأجل معلوم أو مجهول، فليس في أذهان العاقدَين أن المهر المؤجل لو كان إلى أجل غير الذي كتبه الموثق سيكون مختلفًا، فتستحق الزوجة الخمسين ليرة قبل قسم التركة، بالسعر الذي ترضاه، إن رضيتْ بأخذ القيمة في مجلس الاتفاق دون تأخير، وما دام الزوج لم يترك إلا المنزل فيقوم المنزل، فإن كانت قيمته أقل من الخمسين ليرة فتأخذه الزوجة، والباقي يبقى دينا على الميت بقدره ليرات وليس بقيمتها، وإن كانت قيمة البيت أكثر من قيمة الخمسين فتأخذ من البيت بقدر قيمة الخمسين، والباقي من قيمة البيت يقتسمه الورثة ومنهم الزوجة، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
19//ذي القعدة//1443هـ
19//06//2022م