بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5647)
السيد المحترم/ قاضي محكمة ص ن الجزئي.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تحية طيبة، وبعد:
فبالنظر إلى مراسلتكم المتضمنة لطلب الحكم الشرعي في صحة الزواج والطلاق، اللذَيْنِ صدرَا من الولي (خ) لابنه، المحجورِ عليهِ؛ لفقد الأهلية بنسبة العجز المقدرة بـ 65% (د)، دون الحصول على إذنِ التزويجِ أو التطليقِ من المحكمة، بمخالفةِ القانون رقم 10 لسنة 1984.
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فبالاطلاعِ على المستنداتِ المرفقة مع السؤال، تبينَ أنّ المحجورَ قد طرأَ عليه العجزُ العقليُّ بعد أن بلغَ رشيدًا، وبذلك لا يكونُ والده -من حيث وصف الأبوة- مُجبِرًا له في شأنِ النكاح، بل يكونُ ذلك للقاضي، كما نصَّ عليه الفقهاء، قال العدوي رحمه الله: “وَإِنْ كَانَ جُنُونُهُ بَعْدَ رُشْدِهِ جَبَرَهُ الْحَاكِمُ فَقَطْ، لَا أَبٌ أَوْ وَصِيٌّ؛ لِأَنَّهُمَا لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَيْهِ” [حاشية العدوي على شرح الخرشي: 3/202].
وما دامَ القاضي قد أعطى الولايةَ لوالد المحجورِ بموجب الدعوى المذكورةِ، فإنه يحق له النظر في جميع شؤون المحجور ومصالحه المتعلقة بالنكاح وغيره، ولا تتوقف صحة تصرفاته على إذن جديد من القاضي؛ لأن مَن قدمه القاضي فيما لا يباشره بنفسه، فإن لأفعاله حكمَ أفعال القاضي، قال ابن رشد رحمه الله: “كُلُّ مَا لَا يُبَاشِرُهُ الْقَاضِي مِنَ الْأُمُورِ بِنَفْسِهِ، فَقَوْلُ مَأْمُورِهِ فِي ذَلِكَ مَقْبُولٌ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ يَدَهُ فِي ذَلِكَ كَيَدِهِ، وَفِعْلَهُ كَفِعْلِهِ” [البيان والتحصيل: 9/ 196].
وكذا يصح الطلاقِ الذي أوقعَه الأب نيابةً عن محجوره؛ فقد جاء في فتاوى الشيخ عليش رحمه الله: “إِنْ رَأَى الْوَلِيُّ لِلْمَحْجُورِ حُسْنَ النَّظَرِ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَأْخُذُهُ لَهُ جَازَ” [فتح العلي المالك: 2/44].
وكلامهم هذا في الوليِّ مطْلقًا، فَأوْلى منه في الحكم إذا كان الوليُّ هو الأب؛ لِمَا قرّره الفقهاءُ وعُلِمَ بالعادة مِن أنّ أفعالَ الأب لابنِه محمولةٌ على المصلحةِ والنظرِ والسداد، قال القاضي عياض رحمه الله: “فِعْلُ الْأَبِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّظَرِ، حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُهُ” [التنبيهات المستنبطة: 3/1860].
وعليه؛ فالنكاح والطلاقُ الصادرانِ عن الأب -بوصفه مقدما من القاضي- صحيحانِ ماضيانِ، ولا تتوقف صحتهما على إذن جديد من القاضي، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
عبد الرحمن بن حسين قدوع
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
26/ذو القعدة/1445هـ
03/يونيو/2024م