بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3596)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
كنت أملك محلا لصناعة الأبواب والنوافذ، وصنعت لأخي نوافذ تأخر في استلامها لأكثر من شهر، وسُرقت النوافذ في هذه الفترة، فمن يضمن هذه النوافذَ شرعًا؟ علما بأن الحرفي في المحل تكلّم مع أخي عدة مرات ليستلم بضاعته، وأني قد أخذت حوالي 50% من ثمن البضاعة.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فهذا عقد استصناع، وعقد الاستصناع من العقود الجائزة، والأصل في الصنّاع أنهم لا ضمان عليهم؛ لأنهم مؤتمنون كالأُجراء، وقد أسقط النبي صلى الله عليه وسلم الضمان على الأجير، وخصّص العلماء من ذلك الصنّاع أصحاب الحرف، فأوجبوا عليهم الضمان اجتهادا؛ حمايةً لأموال الناس، حتى لا يتسلّط الصنّاع على أموالهم، فيخفونها ويدّعون ضياعها، إذا رأوا أنهم غير ضامنين، وهذا هو فعل السلف من الصحابة والتابعين، وهو مروي عن أمير المؤمنين عمر، وكان علي رضي الله عنه يضمّن الصنّاع، ويقول: “لَا يُصْلِحُ النَّاسَ إِلَّا ذَلِكَ” [مصنف ابن أبي شيبة:21051]، وفي المدونة الكبرى: “ما زال الخلفاء يضمِّنون الصناع” [389/11]، قال المالكية: هم ضامنون فقط لما يُغاب عليه إذا ادّعوا تلفه دون بيّنة لهم على صدقهم، فإن أقام الصنّاع بينة تشهد على صدقهم بأنه سرق أو أحرق دون تفريط منهم، فلا ضمان عليهم، وفي المدونة: “قلت: أرأيت الصناع في السوق الخياطين والقصارين والصواغين، إذا ضاع ما أخذوا للناس يعملونه بالأجر وأقاموا البينة على ضياعه، أيكون عليهم ضمان، أم لا؟ قال: قال مالك: إذا قامت لهم البينة بذلك فلا ضمان عليهم وهو بمنزلة الرهن” [391/11]، ويضمن الصانع البضاعة ما لم يقبض ثمنها، فإذا قبض ثمنها انقلبت البضاعة وديعةً عند الصانع، فلا يضمنها إلّا أن يفرّط، قال الدردير: “(أَوْ) (دَعَا) الصَّانِعُ رَبَّهُ (لِأَخْذِهِ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ صَنْعَتِهِ فَتَرَاخَى رَبُّهُ فَادَّعَى ضَيَاعَهُ فَيَضْمَنُ، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: إنْ لَمْ يَقْبِضْ الصَّانِعُ أُجْرَتَهُ فَإِنْ قَبَضَهَا صَارَ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَطَلَبَهُ لِأَخْذِهِ وَدِيعَةً عِنْدَهُ فَلَا يَضْمَنُ إلَّا بِتَفْرِيطٍ” [الشرح الكبير:29/4].
وعليه؛ فما دمت قد أخذت نصف مبلغ البضاعة المصنّعة فيسقط عنك ضمان البضاعة؛ لأنها أصبحت وديعة، إلا أن يُثبتَ صاحبُها التفريطَ منك ببينة، وتبقى 50% المؤخّرة دين لك على أخيك صاحب البضاعة، فإن أثبت صاحب البضاعة التفريط ببينة، كأنْ تكون البضاعة في مكان غير آمن، أو جعلها الصانع في مكان عند غيره، أو لم يأخذ الصانع الاحتياطات اللازمة من أقفال وأبواب لحفظ البضاعة، ضمنها الصانع، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
05/شوال/1439هـ
19/يونيو/2018م