بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3838)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
مطلقة لديها أربعة أطفال، تسكن بالإيجار، وليس لديها عمل، فهل يجوز أن أعطيها زكاة أربع أو خمس سنين مقدَّمًا، حتى تتمكن من شراءِ مسكن خاص بها؟
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فإن علماء المالكية يمنعون إخراج الزكاة قبل الحول بوقتٍ طويلٍ بلا خلافٍ، فلا يجوز عندهم تقديمها، إلّا إذا كان التقديمُ يسيرًا، مثل الشهر والشهرين، وهو مذهب المدونة، قال القرافي رحمه الله: “وَفِي الْكِتَابِ: لَا يَنْبَغِي إِخْرَاجُ زَكَاةِ عَيْنٍ وَلَا مَاشِيَةٍ قَبْلَ الْحَوْلِ إِلَّا بِيَسِيرٍ … وَفِي الْجَوَاهِرِ: فِي الْيَسِيرِ خِلَافٌ، وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّهِ إِذَا جَوَّزْنَاهُ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: نَحْوُ الشَّهْرِ … وَهَذَا الْخلاف يخْتَص بِالْعينِ وَالْمَاشِيَةِ، وَأَمَّا الْحَرْثُ فَلَا يَجُوزُ التَّقْدِيمُ فِيهِ” [الذخيرة:3/156]، ولا يجوز إخراجها قبل ذلك؛ لأنها عبادة لا تصحُّ قبل وقتها المحدّدِ لها، كمن يصلي قبل دخول الوقت، ولما فيها من احتمال أن يفوقَ المالُ المصروفُ عبرَ العام للفقراء مالَ الزكاةِ بعدَ وجوبِها، قال القاضي عبدالوهاب رحمه الله: “لأَنَّ تَعْجِيلَ الزَّكَاةِ يُؤَدِّي إِلَى إِسْقَاطِهَا؛ لِأَنَّ الْحَوْلَ يَحُولُ عَلِيهِ وَمَالُهُ نَاقِصٌ عَنِ النِّصَابِ، وَلاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى إِخْرَاجِهَا ثَانِيَةً، وَهوَ إِذَا اسْتَغْنَى المَدْفُوعُ إِلَيْهِ بِغَيْرِهَا وَقْتَ الحَوْلِ، لِأَنَّ مِنْ قَوْلِهِمْ إِنَّهَا لاَ تُجْزِئُ، وَلاَ يَخْلُو رَبُّ الْمَالِ مِنْ أَنْ يَلْزَمَهُ إِخْرَاجُهَا ثَانِيَةً، وَفِي ذَلِكَ إِضْرَارٌ بِهِ، أَوْ لاَ يَلْزَمُهُ، فَفِيهِ إِتْلَافُهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ ” [الإشراف على نكت مسائل الخلاف:1/387]، وأجاز الشافعية والحنفية تعجيلها لأكثر من سنة، قال الماوردي رحمه الله: “فَإِنْ قِيلَ: فَتَعْجِيلُ زَكَاةِ عَامَيْنِ عِنْدَكُمْ لَا يَجُوزُ؟ قُلْنَا: فِيهِ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْأَظْهَرُ جَوَازُ تَعْجِيلِهَا أَعْوَامًا إِذَا بَقِيَ بَعْدَ الْمُعَجَّلِ نِصَابٌ اسْتِدْلَالًا بِظَاهِرِ الْأَخْبَارِ، وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ أَكْثَرَ مِنْ عَامٍ وَاحِدٍ” [الحاوي: 3/159]، وقال السرخسي رحمه الله: “وَتَعْجِيلُ الزَّكَاةِ عَنْ الْمَالِ الْكَامِلِ الْمَوْجُودِ فِي مِلْكِهِ مِنْ سَائِمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا جَائِزٌ عَنْ سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ” [المبسوط: 2/176]، وينبغي أن يلاحظ أن ما يشترى من البيوت بأموال الزكاة يجب أن يكون في الحد الأدنى دون توسع في المساحة أو تحسين المبنى بالكماليات التي تصرف عليها الأموال الكثيرة، وبحيث لا يكون المسكن في المناطق المرتفعة الأسعار، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشّريف
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
11//رجب//1440هـ
18//03//2019م