بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (760)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
تصدق جدّي وأخوه بأرض اشترياها على أن تكون صدقة جارية مستمرة على والدهما وجدهما، فتجمع غلتها، وتجعل تاليفاً، وختم قرآن، وقصعة رمضان عنهما، فما حكم هذه الصدقة؟ وهل يجوز بيعها، وتقسيم ثمنها على الورثة؟ وكيف تصرف غلتها إذا استثمرت؟ وكيف نحافظ عليها عبر الأجيال؟.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالصدقة الجارية المستمرة تعد وقفًا شرعيّاً لازماً، تجري عليها أحكامه، كما هو معروف من عرف الناس، ففي المعيار المعرب [51/7] سئل عبد الله العبدوسي عن مرأة تصدقت بأرض على مسجد، وتُريد التصرف فيها بالبيع وغيره، فأجاب: “فصدقة المرأة المذكورة محمولة على التحبيس، لا على الصدقة المطلقة، التي تباع ويتصدق بثمنها في مصالح المسجد؛ إذ مقصد الناس وعرف تخاطبهم في الصدقة على المسجد الحباسة عليه ليس إلا، وينبغي للمفتي أن ينظر إلى مقاصد الناس ومُقتضَى مخاطبتهم، فيبني عليها الحكم، ويرتب عليها الجواب”.
ومقتضى عرف الناس في استمرار الصدقة الجارية، لاسيما التاليف، وقصعة رمضان، هو التحبيس على التأبيد، فلا يجوز بيع الأرض المذكورة، ولا التصرف فيها بأي أنواع التصرف؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر في صدقته: “أمسك أصلها، وسبِّل الثمرة”، وقول عمر بعد ذلك: “لايباع، ولا يوهب، ولايورث” (النسائي:6432).
ويجب صرف غلة الوقف فيما عيّنه الواقف، لا يتعداه إلى غيره، ما لم يكن معصية؛ لقول الله عز وجل: (فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [سورة البقرة: 181].
فتقسم غلة الأرض على ما في الوثيقة؛ فيتصدق بنصفها على الفقراء، وإطعامهم طيلة العام، ويصرف النصف الآخر على إطعام المساكين في رمضان.
والواجب تسجيل الأرض في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية؛ لأنها الجهة المخولة بالإشراف على الوقف؛ لتُعِّين له ناظراً يشرف على صرفه لمستحقيه.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم