بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5464)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
عزمتُ على شراء أرض في ضواحي طرابلس، وحين استعرضنا وثائق الملكية تبين أنها من الأراضي التي تملَّكتها الدولة، بعد أن استردَّتها من المحتلين الطليان، ثم خصصتْها الدولة لمواطنين ليبيين وملكتهم إياها، ولا يعرف للأرض مالكون ليبيون قبل الاحتلال، وقد راجعتُ محاميا فقال: ليس في القانون ما يمنع من شرائها، فهل في الشريعة ما يمنع من ذلك؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن الواجب التحري في معرفة أصحاب الأرض الأصليين قبل استيلاء الطليان المحتلين عليها، والتثبتُ من حال الأرض بسؤال السكان القدامى في المنطقة، التي توجد بها الأرض، فإن كانت الأرض مواتًا، لم يسبق لأحد تملّكها على وجهٍ مشروع، فغصبها الإيطاليون، أو كانوا تملّكوها بالشراء من أصحابها، على وجه الرضا والسداد، ثم آلتْ إلى الدولة الليبية بعد الاستقلال، ما كان كذلك؛ فما جرى فيه من التخصيصات مِن قبل الحكومات السابقةِ نافذٌ، لأن ما كان في حوز المحارب المحتلّ إذا خرج من البلاد ترجع ملكيته إلى الدولة، إذا لم يكن المحتلّ قد أخذه من ملّاكه بالغصب، وما تملكه الدولة لها أن تُقطعه لبعض الناس أو تبيعه، ولا حرج على من اشترى منها، قال الدردير رحمه الله: “… فَإِذَا أَقْطَعَ الْإِمَامُ أَرْضًا لِأَحَدٍ؛ مَلَكَهَا أَيْ: كَانَتْ مِلْكًا لَهُ… فَلَهُ بَيْعُهَا وَهِبَتُهَا وَتُورَثُ عَنْهُ” [الشرح الصغير: 4/87].
وعليه؛ فمن أُعطي شيئًا مما ذُكر، وثبت بالبينة، أو حصل بشهادات الناس المستفيضة اليقينُ بأن الأرض كانت مواتًا، أو مِن المسترَدِّ، الذي ملكه الإيطاليون بوجه مشروع؛ فله أن يتصرفَ فيه بمقتضى العقد الذي أُبرمَ معه، وحيث كان عقده التمليك؛ فيجوز له التصرفُ في الأرض بالبيع أو الهبة أو غير ذلك.
وإن ثبت أن للأرض مُلَّاكًا أصليين، قد غصبها الإيطاليون منهم، ثم لم ترجعها لهم الدولة بعد خروج المحتلّ، فلا يجوز التصرف في الأرض بالبيع وغيره، ولا يحلّ شراؤها، وهو من أكل أموال الناس بالباطل، والواجبُ ردُّها لأصحابها، أو أخذُها منهم بالتراضي على ثمنها إن رغبوا في بيعها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ لِعِرِقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ) [أبو داود: 2073]، وقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) [البيهقي: 5492].
وإذا لم يتبين حال الأرض عندما استولى عليها الإيطاليون هل هي موات، أو من أملاك الناس، أو من أملاك الدولة؟ فالأولى تجنبُها، لأنها موضع شبهة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ؛ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ) [مسلم: 1599]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
عبد العالي بن امحمد الجمل
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
02//رجب//1445هـ
14//01//2024م