حكم طلاق السكران
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الفتوى (5516)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أنا (ج)، تشاجرتُ مع زوجتي، فتلفظَّتُ بالطلاق، وكنتُ في حالة سُكْر، لا أعي ما أقول، ثم أخبرتني زوجتي صباح اليوم الثاني بأني تلفظتُ بالطلاق، ولم أتذكر ما صدر مني، فهل هذا الطلاق واقع؟ علمًا أنَّ هذه هي الطلقة الثالثة.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّ ما ابتُليَ بهِ السائل مِن شرب الخمر، الذي أخرجَه من دائرة العقلاءِ، محرَّمٌ من كبائر الذنوب، حيث وضع نفسه في منزلةِ الحيواناتِ غيرِ العاقلةِ، ورضي أن يحطها في هذه الحالة الخسيسة التي تغضِبَ اللهَ، فإن الله حرَّم الاعتداء على العقل كما حرَّم الاعتداء على الدماء والأموال والأعراض، وشدَّدَ في شرب الخمر الذي يذهب العقل، وجعلَهُ رجسًا مِن عملِ الشيطانِ.
والسائل لم يُبَالِ بهذا كله، ولم يَشْعُرْ بالندم، ولا بالخوفِ من الله تعالى؟ وكلُّ ما أهمَّه من الأمر وأقضَّ مضجعه، هو مجرّدُ سؤاله عن طلاق زوجته؛ هل وقعَ أم لا؟ كانَ الأجدرُ به أنْ يسألَ: كيفَ أصنعُ لأتوبَ إلى اللهِ من هذه المعصيةِ الكبيرةِ، ليقبلَ اللهُ توبتي، وما السبيلُ إلى ذلك؟ ويعبّرَ عن ندمه وخوفه من اللهِ، قبل أنْ يلقاهُ وهو غاضبٌ عليه، هذا هو الذي كان على السائل أن يفعلهُ، قبل أن يسألَ عن طلاقِ زوجته، أصلحَ اللهُ أمره.
أمَّا فيما يتعلَّقُ بوقوع الطلاقِ من عدمِه؛ فإنَّ العقل هو مَناطُ التّكليفِ والمؤاخذةِ بالأقوالِ والأفعال، فإذا كان المطلِّقُ يعِي ما يقول، ويقصدُ ما يتكلّـَمُ به؛ فالطلاق واقعٌ، وأمّا إن غابَ عقلُه فلم يدركْ أو يعلمْ ما صدرَ منه، وطلّقَ في هذه الحالة، فلا يقع طلاقه ولا شيءَ عليه؛ لأنَّه صار في حكم المجنون، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَن ثَلَاثَةٍ؛ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظِ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنِ المجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ) [أَبُودَاود: 4398]، وفي المدوّنة: “قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ رحمه الله: “مَا نَعْلَمُ عَلَى مَجْنُونٍ طَلَاقًا فِي جُنُونِهِ، وَلاَ مَرِيضٍ مَغْمُورٍ لاَ يَعْقِلُ، إِلاَّ أَنَّ المجْنُونَ إِذَا كَانَ يَصِحُّ مِن ذَلِكَ، وَيُرَدُّ إِلَيْهِ عَقْلُهُ، فَإِنَّهُ إِذَا عَقلَ وَصَحَّ جَازَ أَمْرُهُ كُلّهُ، كَمَا يَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ” [المدونة: 2/84].
عليه؛ فإنْ كانَ الواقع كما ذُكِر في السؤال، من أنَّ الزوجَ وقت إيقاع الطلاقِ لم يكن مدركًا لما يقول بسببِ شربه الخمر؛ فلا يلزمُه الطلاق، ولكنه آثمٌ مستوجبٌ لغضب الله، بارتكابه كبيرةً من كبائر الذنوب، وهي إدخال السُّكْرِ على نفسه، الذي بسببه أوقع الطلاقَ على زوجته، فعليهِ أن يتوبَ مِن هذه الكبيرة.
وليعلمِ الزوجُ أنَّ وقوعَ الطلاق من عدمهِ متوقِّفٌ على صدقِه فيما أخبرَ به، مِن عدمِ إدراكه لما وقعَ منه مِن التلفُّظِ بالطلاقِ، وأمَّا إن كان الواقعُ خلافَ ما ذَكَر، بأن كان مدركًا لما وقَع منه من الطلاقِ؛ فإنّ هذه الفتوى لا تفيدُه؛ والطلاقُ لازمٌ له، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
15//شعبان//1445هـ
25//02//2024م