بسم الله الرحمن الرحيم
رقم الفتوى ( )
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
طلقت زوجتي قبل سنين، وأنا في حالة سكر، لا أعرف السماء من الأرض، ولا الرجل من المرأة، ثم طلقتها طلقة ثانية، والأن طلقتها طلقة ثالثة، حضرت وزوجتي إلى المفتي في شهر يانير، فسألناه، فأفتانا بعدم وقوع الطلقة الأولى، فرددت زوجتي بناء على ذلك، ثم قمت بإتمام الإجراءات في المحكمة لرد الزوجة في كتيب العائلة، فقام القاضي برفض الدعوى بحجة وقوع الطلاق ثلاثا، وأنا أريد فتوى مكتوبة من فضيلتكم لأتمكن من إتمام الإجراءات المطلوبة.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فطلاق السكران في حال غياب عقله إن كان فيه نوع تميز ـ وهو ما يسمى بالسكران المختلط ـ لازمٌ له، وإن كان السكران لا تمييز عنده كظاهر حال السائل ـ وهو ما يسمى ـ بالسكران الطافح ـ لا يعرف السماء من الأرض، ولا الرجل من المرأة، فهذا كالمجنون لا يلزمه طلاق ولا غيره، وهو قول عثمان بن عفان، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم، ورواية محمد بن عبد الحكم في المذهب، واختيار ابن رشد والباجي، قال ابن رشد: “السَّكْرَانُ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ: سَكْرَانُ لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَا الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَسَكْرَانُ مُخْتَلِطٌ مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الِاخْتِلَاطَ مِنْ نَفْسِهِ فَيُخْطِئُ، وَيُصِيبُ، فَأَمَّا السَّكْرَانُ الَّذِي لَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ، وَلَا الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ، فَلَا اخْتِلَافَ أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ، وَأَقْوَالِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ، وَأَمَّا السَّكْرَانُ الْمُخْتَلِطُ الَّذِي مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَفْعَالِهِ، وَأَقْوَالِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ ….، وَالرَّابِعُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْجِنَايَاتُ، وَالْعِتْقُ، وَالطَّلَاقُ، وَالْحُدُودُ، وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِقْرَارَاتُ، وَالْعُقُودُ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ رحمه الله تعالى، وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ، وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ، وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ” [البيان والتحصيل 258/4]. والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم