حكم قراءة القرآن والحديث النبوي بنية رفع البلاء أو ردّه
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5319)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
ما حكم ما يفعله بعض الناس من قراءة القرآن – كله أو بعضه – أو قراءة الحديث النبوي، بنيَّة رفع البلاء أو ردّهِ، دون أن يصحبَ ذلكَ دعاءٌ، وإنما هي قراءة صرفة مع النيّةِ المذكورةِ؟ وما الحكم إذا صحبهُ دعاء؟ وهل يجوزُ الاجتماعُ له؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنَّ المبادرة إلى ذكرِ اللهِ عز وجل وفعل الطاعات طلبًا لدفعِ البلاء، ممّا أمر به النبيّ صلى الله عليه وسلم، فعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: (خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ النَّبِيُّ فَزِعًا، يَخْشَى أَنْ تَكُونَ السَّاعَةُ، فَأَتَى الْمَسْجِدَ، فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ رَأَيْتُهُ قَطُّ يَفْعَلُهُ، وَقَالَ: هَذِهِ الْآيَاتُ الَّتِي يُرْسِلُ اللهُ، لَا تَكُونُ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبَادَهُ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ) [البخاري: 1059]، قال الزرقاني رحمه الله: “وَفِي الْحَدِيثِ الْمُبَادَرَةُ إِلَى الطَّاعَةِ عِنْدَ رُؤْيَةِ مَا يُحْذَرُ مِنْهُ، وَاسْتِدْفَاعُ الْبَلَاءِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنْوَاعِ طَاعَتِهِ” [شرح الزرقاني على الموطأ: 637/1]، وقراءة القرآن من أفضلِ الأذكار.
عليه؛ فما يفعله بعض الناس، من قراءة القرآن والحديث النبوي بنية رفع البلاء أو ردّه فقط دون دعاء؛ جائزٌ شرعًا، وإذا صحبَ ذلك دعاء كان مِن بابِ التوسلِ إلى اللهِ تعالى بالعملِ الصالحِ، وهو نوعٌ من أنواعِ التوسلِ المشروعِ، وممَّا يدلّ عليه قصةُ أصحابِ الغارِ، الذينَ أطبقتْ عليهم الصخرة، فدعَوا اللهَ بصالحِ أعمالِهم، ففرجَ اللهُ عنهم [البخاري:3465]، كما أن الاجتماعَ على قراءة القرآن جائزٌ، بشرطِ أنْ لا يكونَ مُلتزَمًا في وقتٍ مخصوصٍ على وجهٍ مخصوصٍ عند المالكية، قال الونشريسي رحمه الله: “وَسُئِلَ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّاطِبِيُّ عَنْ قِرَاءَةِ الْحِزْبِ بِالْجُمَعِ هَلْ يَتَنَاوَلُهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ…) الحديث، كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِ النَّاسِ أَوْ هُوَ بِدْعَةٌ؟ فَأَجَابَ: إِنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَن ذَلِكَ فَكَرِهَهُ وَقَالَ: هَذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ” [المعيار:112/11]، وأن لا تكونَ القراءة جماعةً بصوتٍ واحدٍ، فهذا قد يؤدّي إلى انقطاعِ نفسِ بعضِ القراءِ في وسطِ الكلمة فيقطعُها، وقد يؤدِّي هذا الانقطاعُ إلى وقفٍ محرّم، قال الشيخ أبو الحسن العامري رحمه الله: “الاجْتِمَاعُ عَلَى الذِّكْرِ إِذَا كَانَ يَذْكُرُ كُلُّ وَاحِدٍ وَحْدَهُ، وَأَمَّا عَلَى صَوْتٍ وَاحِدٍ فَكَرِهَهُ مَالِكٌ” [المعيار: 161/1]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
عبد الرحمن بن حسين قدوع
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
09//ربيع الأول//1445هـ
24//09//2023م