بسم الله الرحمن الرحيم
رقم الفتوى (489)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
وقف مجموعة من ذرية الشيخ المحجوب أرضا على ذريتهم الذكور، وعلى عيالهم، وجميع مصالح زاوية الشيخ المحجوب، تصرف على مرافقه، وعلى طلاب العلم والحجاج، والآن هذا الوقف قد دار عليه الزمن، وذهب ريعه وتقاسمه الورثة على ما في الوثيقة الحبسية، على الذكور دون الإناث، وبعضهم تصرف فيه بالبيع وغيره، فما حكم استيلاء الورثة على الأرض الحبسية، وقسمتها على الذكور دون الإناث؟.
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالحبس المذكور قد جمع فيه مُحَبِّسه بين الوقف على الزاوية ومرافقها، وبين ورثته الذكور دون الإناث، والحبس على الذكور دون الإناث، هو محل اختلاف بين أهل العلم، والصواب الذي ترجحه الأدلة الشرعية أنه غير جائز شرعا، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ” (البخاري:2587) وفي المدونة روى ابن وهب عن محمد بن حزم أنه حدث عن عمرة بنت عبدالرحمن أنها ذكرت أن عائشة – رضي الله عنها – إذا ذكرت صدقات الناس اليوم، وإخراج الرجال بناتهم منها تقول: ما وجدت للناس مثلا اليوم في صدقاتهم إلا كما قال الله تعالى { وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ} (المدونة /423) وقال الإمام مالك في رواية عنه: “إنه من عمل الجاهلية ” (شرح الخرشي، ج/5، ص88) وهو اختيار الشيخ خليل في المختصر قال: “وحرم- أي الوقف- على بنيه دون بناته” وهو المعتمد في أكثر المذاهب، وهذا الحبس على الذكور دون الإناث تم إلغاؤه، بصدور فتوى من مفتي الديار الليبية السابق الشيخ الطاهر الزاوي- رحمه الله- سنة 1973م، وبعد هذه الفتوى صدر القانون رقم 16 لسنة 1973م بإلغائه، عليه فإنه لا يعمل به شرعاً ولا قانوناً لما في ذلك من التحايل على حرمان المرأة من الميراث.
فالواجب قسمة الأرض المحبسة قسمين: قسم يصرف في مرافق الزاوية المذكورة، من دور تحفيظ القرآن، وطلاب العلم، وغيرهم، ولا تصرف على زوار الضريح؛ لأنه من صرف المال على غير قربة، ولما فيه من ترسيخ البدع، وأكل أموال الناس بالباطل، وعلى ناظر الوقف ووزارة الأوقاف الإشراف على هذا الوقف، وحمايته وصيانته وانفاقه في الأوجه المشروعة، ولا يحتج بذهاب غلته للاستيلاء عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر في صدقته: “أمسك أصلها وسبل الثمرة” وقول عمر بعد ذلك ” لا يباع ولا يوهب ولا يورث”(النسائي:6432) وفي المدونة قال سحنون:” بقاء أحباس السلف خِرَابا دليل على أن بيعها غير مستقيم” وفي المعيار المعرب نقلا عن الشيخ أحمد القباب” وسئل مالك عن نخل محبسة توالى عليها الإهمال، وخيف أن تأكلها الرمال، وأراد السائل معاوضتها لذلك، فقال مالك: دعها تأكلها الرمال “.
والقسم الثاني يقسم على ورثة المذكورين الأحياء زمن إصدار القانون ذكوراً وإناثاً على الفريضة الشرعية، لبطلان الحبس على الذكور دون الإناث بإصدار القانون لعام 1973م، وحكم الحاكم يرفع الخلاف؛ لأنه إذا اجتمع حبس وحق للغير في شيء واحد، ولا يعلم نصيب كل منهما، فإنه يقسم نصفين؛ لأن الأصل في الشركة المناصفة، قال أبو سعيد بن لب حبس جهل قدره : ” محمل الاشتراك المعلوم مع جهل القدر عند الفقهاء على التسوية حتى يظهر خلافه” (المعيار المعرب7/91).
فيجب على الورثة قسمة نصف ما حبّسه المحبس حسب الفريضة الشرعية، ومن باع من الورثة شيئا من الحبس يحق له أن يأخذ منه قدر حصته في الفريضة الشرعية، وما زاد يرجع به على الورثة.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
26/شوال/1433هـ
2012/9/13