حكم لفظ : عليَّ اليمين، والطلاق المعلق، والإغلاق حال الطلاق
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5822)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
قلت لزوجتي: “عليَّ اليمين معاد واكل ماكلة أمك”، ولم أقصد يمينَ الطلاق، بل قصدت اليمين بالله، وبعدها أكلت من طبخ أمها؛ لأنني لم أعتبره طلاقًا، بل حلفًا بالله، فلم أرجعها، وفي المرة الثانية تشاجرتُ مع زوجتي وسمعتْنا أمها، وكنت في حالة غضب شديدٍ فلم أدرِ ما قلتُ، حتى أخبرتني زوجتي أني قلت لأمها: “بنتك تعلِّي في صوتها عليَّ، ربِّي بنتك، بنتك معاش تلزمني”، وفي المرة الثالثة كنت إذا اشتد الخصام أمسك يدها وأهزها، فتقول لي: لا تضربني، فقلت لها: “عليَّ اليمين معاش ندفك أو نمد ايدي عليك (لا أذكر أيهما قلت) لكن بنطلقك”، ولم أقصد اليمين بالله، بل يمين الطلاق، وحدث بعدها أن دفعتها أثناء الشجار، وكنت في حالة غضب شديد، فلم أتذكر أني دفعتها حتى أخبرتني، فما حكم الشرع فيما قلته لزوجتي في المرات الثلاث؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فلفظ “عليّ اليمين” إذا نوى به صاحبه اليمين بالله، فإنه لا يكون طلاقا؛ لأنّ لفظ اليمين وإن كان في العرف ينصرف للطّلاق، فإنّ النّيّة مقدّمة على العرف في الأَيْمان، وبالحنث فيه تلزمه كفّارة يمين.
ولفظ: “ابنتك لا تلزمني” وإن كان من الكنايات الخفيّة للطّلاق، فإنّه بناء على قول السائل أنه لم يشعر به لا يلزمه شيء؛ لأنّ العقلُ هو مناطُ التّكليفِ والمؤاخذةِ بالأقوالِ والأفعال، فإذا كان المطلِّقُ شديدَ الغضب وقتَ الطّلاق، إلى درجةٍ لا يعِي فيها ما يقولُ، ولا يشعرُ بما صدرَ منه؛ فالطّلاقُ لا يقعُ؛ لأنّه صارَ في حكم المجنونِ فاقدِ العقل؛ لقول النّبي صلى الله عليه وسلم : (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ) [الترمذي: 142]، وقال الصاوي رحمه الله: “يَلْزَمُ طَلَاقُ الْغَضْبَانِ، وَلَوِ اشْتَدَّ غَضَبُهُ… وَكُلُّ هَذَا مَا لَمْ يَغِبْ عَقْلُهُ، بِحَيْثُ لَا يَشْعُرُ بِمَا صَدَرَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ كَالْمَجْنُونِ” [حاشية الصاوي: 1/449].
عليه؛ فالطلاق الأول غير واقع؛ لأن المقصود بلفظ اليمين كان اليمين بالله، والطلاق الثاني غير واقع؛ لأن الزوج لم يدرِ ما قال حتى أُخبر به، والطلاق الثالث واقع؛ لأن المقصود باليمين الطلاق، وقد عُلق على عدم دفع الزوجة، وحصل المعلق عليه وهو دفعها بيده، ولا يؤثر كون الزوج فعل المعلق عليه دون وعي، قال ابن عرفة رحمه الله: “من حلف لا وطئ امرأته حنث بوطئه إياها نائمًا لا يشعر كالناسي” [المختصر الفقهي: 2/419].
ولْيعلمِ الزوجُ أن وقوعَ الطلاق من عدمهِ في المرة الثانية متوقفٌ على صدقِ ما أخبرَ به، مِن عدمِ إدراكه لما تلفظ به، أمَّا إن كان مدركًا لما تلفظِ به وكان قاصدا للطلاق، فإنّ هذه الفتوى لا تفيدُه؛ لأنها بُنيتْ على إخباره بعدمِ إدراكه، فإذا كانَ الواقعُ غيرَ ذلك، وكان مدركًا ناويًا الطلاق، فالطلاقُ الثاني لازمٌ له أيضًا، والفتوَى لا تصلحُ له، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
12//ربيع الآخر//1446هـ
15//10//2024م