طلب فتوى
البيعالشركةالفتاوىالقرضالمعاملات

حكم مشاركة شركة متخصصة في التوريدات والتجهيزات العامة في المناقصات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5705)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

نحنُ شركةٌ متخصصةٌ في التوريدات والتجهيزات العامة، ونرغبُ في معرفة الحكم الشرعي للمشاركة في المناقصاتِ، من خلال اتباعِ الإجراءاتِ التالية: تسجيلُ الشركة لدى الجهة المعنية، ثم استلام الكراسة أحيانًا بمقابل مالي وأخرى من غير مقابل، نقدم العروض المطلوبة، وتحتوي على السعرِ ووقت التسليم ومكانه، والمواصفات، ثم تقيم الجهة العروض المقدمة، ثم يرسل أمر الشراء للشركة في حال اختيارها، يتضمن المواصفات والأسعار وزمن التسليم وطريقة الدفع، وعادة ما تكون حوالة بنكية خلال 30 يوما من تسليم البضاعة كاملة، يقوم المستورد بالتوقيع عليه، وإرساله إلى المورد ليوقع عليه، مما يعني إلزام الطرفين بِبَدْءِ التوريدِ والاستلامِ، وبالتالي نقوم بالشراءِ والتجميع والتصنيف، ثم نقلها إلى مكانِ التسليم المتفقِ عليه، وبعد استلام البضاعةِ ترسل الشركةُ الفاتورة النهائية للجهة صاحبة المناقصة، لتبدأ بإجراءات الدفع البنكية، ويحق لهذه الجهة رفضُ البضاعة أو المطالبة باستبدالها، إذا لم تكن مطابقةً للمواصفات المتعاقدِ عليها، وقد تشترطُ فرضَ غرامة تأخير مالية، وفي حال عدم جواز هذا النوع من العقود؛ هل يمكن تصحيحه بأن يؤخر المورد التوقيع على أمر الشراء، حتى يشتري كامل البضاعة من السوق، ثم بعد ذلك يوقع على أمر الشراء، ويعيد إرساله إلى المستورد؟

الجواب:

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أمّا بعد:

فإن عقد التوريد المذكور، هو عقد يلتزم فيه أحد طرفيه بتسليم أشياء موصوفة في الذمة، مؤجلة بأجل معلوم، مقابل ثمنٍ مؤجل يلتزم به الطرفُ الآخر، وهو بهذه الصورة منهي شرعًا؛ لأنه عقد عوضاه مؤجّلان، وقد نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الكالئِ بالكالئِ. [سنن الدارقطني: 3060]، ومعناه الدَّين بالدَّين، وكي تصح عقود التوريد هذه لابدّ أن تتوفّر شروط، وهي تختلف باختلاف وصف الشركة المورّدة، فإن كانت الشركة الموردة تتعاقد على أنها المالكة للسلعة وليست وسيطة: فيشترط أن تكون الشركة الموردة ممن يتعاملُ بالسلع المورَّدة محلّ العقد، ويغلب وجودها في حوزتها؛ بحيث يُبدأ في التسليم في مدّة أقصاها خمسة عشر يوما، وهذا لا يتأتى إلا إذا كانت السلع متوفرة في السوق المحلّي، أما إذا كانت السلع التي تريد الشركة أن تتعاقد عليها توردها من خارج البلاد، فيتعذر عليها الوفاء بشرط التسليم خلال 15 يوما. ويكون التعاقد على السلع المورَّدة حينئذ ممنوعا.

قال ابن أبي زيد رحمه الله: “وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ ‌مَا ‌لَيْسَ ‌عِندَكَ عَلَى أَن يَكُونَ عَلَيْكَ حَالاًّ”، قال ابن ناجي رحمه الله معلّقا: “وَهَذَا مَا لَمْ يَكُنِ الْغَالِبُ وُجُودَهُ عِندَ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ فَإِن كَانَ الْغَالِبُ وُجُودَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَن يُسْلَمَ إِلَيْهِ عَلَى الْحُلُولِ إِجْرَاءً لَهُ مُجْرَى النَّقْدِ كَالقَصَّابِ وَالْخَبَّازِ الدَّائِمِ… وإِنَّمَا أُجِيزَ هُنَا لِتَيَسّرِهِ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ” [شرح ابن ناجي على الرسالة: 2/166].

قال ابن رحّال رحمه الله عند قول خليل رحمه الله: (وَالشّرَاءُ مِن دَائِمِ الْعَمَلِ كَالْخَبَّازِ وَهْوَ بَيْعٌ): “وَقَد تَبَيَّنَ أَنَّ شُرُوطَ جَوَازِ الشّرَاءِ مِن دَائِمِ الْعَمَلِ: أَن يَكُونَ ذَلِكَ عِندَهُ، وَأَنْ يَشْرَعَ فِي الْأَخْذِ حَقِيقَةً أَوْ حَكْماً؛ لِأَنَّ التَّأْخِيرَ الْقَلِيلَ مُغْتَفَرٌ، وَأَن يُبَيّنَ مَا يَأْخُذُ كُلَّ يَوْمٍ… أَوْ يَأْخُذَهُ فِي مُدَّةٍ، وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ عِنْدَهُ: هُوَ تَيَسُّرَهُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِن غَيْرِهِ” [فتح الفتاح: 21/288]، وقال الحطّاب رحمه الله: “وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ يَتَأَخَّرُ ‌الشُّرُوعُ الْعَشَرَةَ الْأَيَّامَ وَنَحْوَهَا” [مواهب الجليل: 4/538].

أما إذا كانت الشركة تتعاقد على أنها وسيطة لا بائعة، تأخذ على وساطتها من المؤسسة أجرة، فيشترط أن تكون الأجرة معلومة، وأن يتم التعاقد عن طريق فتح الاعتمادات بين المؤسسة المحلية الموردة للسلعة، والشركة المنتجة لها خارج البلد رأسا، بالشروط الشرعية المطلوبة في فتح الاعتمادات، ولا يصح أن يتم الدفع من خلال الشركة الوسيطة.

وهناك صورة ثالثة يمكن التعاقد من خلالها، وهي أن يكون العقد عقدَ سلم بين المؤسسة المحلية والشركة الموردة، وهذا يشترط فيه أن تسلم المؤسسة للشركة الموردة ثمن السلعة أو نصفَه على الأقل خلال ثلاثة أيام من العقد، فإن تأخر دفع الثمن صارت الصورة ممنوعة؛ لأنها من بيع الدين بالدين المنهي عنه.

وهناك صورة رابعة، وهي أن يتم التواعد بين المؤسسة وهذا المُورد الذي لا يملك السلعة، ويعد بشرائها، وتعده المؤسسة بالشراء منه، بثمن يسميانه بينهما، على ألا يتم التعاقد من الناحية الفعلية إلا بعد تملكه للسلعة، مع دفع ثمنها من المؤسسة معجّلا عند التعاقد، ولا تصح هذه الصورة إن كان دفع الثمن بالتأجيل، والله أعلم.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد بن ميلاد قدور

حسن بن سالم الشّريف

 

الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

03/محرم/1446هـ

2024/07/09م 

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق