طلب فتوى
الإجارةالغصب والتعديالفتاوىالمعاملات

حكم مطالبة أصحاب الأرض الغاصب بقيمة كراء الأرض مدة استيلائه عليها

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

رقم الفتوى (5549)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

قام شخصٌ في فترة الثمانينيات بالاستيلاء على أرض يملكها والدي، وبنى عليها منزلًا، وقام بإكرائه عدة سنوات، وبعد فترة رفع والدي دعوى ضد هذا الغاصب لاسترجاع أرضه، ثمَّ توفِّيَ والدي، فوكَّلنا أحد الورثة لمتابعة الإجراءات، ثمّ حكمت المحكمةُ بثبوت ملكيّتنا للأرض، واسترجعناها بعد ذلك، وقمنا بهدم البناء الذي بناه الغاصب، والسؤال: هل يحقُّ لنا نحن الورثة أن نرفع دعوى بطلب التعويض عن السنوات التي قام فيها هذا الشخص بالاستيلاء على الأرض؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإنه يحقُّ للمغصوب منه أن يطالب الغاصبَ بغلة الشيء المغصوب، إذا استعمله الغاصبُ بنفسه، أو أكراه لغيره، لا إن أهمله ولم يستفد منه، قال خليل رحمه الله، عاطفًا على ما للمغصوب منه أن يطالب به: “وَغَلَّةُ مُسْتَعْمَلٍ” [المختصر : 190]، قال الخرشي رحمه الله شارحًا: “يَعْنِي أَنَّ مَنْ غَصَبَ رَقَبَةَ عَبْدٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ دَارٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَاسْتَعْمَلَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ أَكْرَاهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِلْمَالِكِ مَا اسْتَغَلَّهُ” [شرح الخرشي: 6/137].

وإذا كان المغصوبُ أرضًا، فبناها الغاصبُ واستغلَّها – كما هو الحال في السؤال – فالذي يحقُّ للمغصوب منه أن يطالب به الغاصبَ كراءُ الأرض براحًا خاليةً من البناء، قال الخرشي شارحًا كلام خليل رحمه الله: “(وَكِرَاءُ أَرْضٍ بُنِيَتْ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ غَصَبَ أَرْضًا فَبَنَى فِيهَا بُنْيَانًا وَاسْتَغَلَّهُ أَوْ سَكَنَهُ فَإِنَّ عَلَيْهِ كِرَاءَهَا بَرَاحًا” [شرح الخرشي: 6/137]، وهذا بالنسبة لما مضى من الأجرة قبل القدرة على الغاصب.

وأما بعد القدرة والقيام على الغاصب؛ فإنّ المالكَ مخيَّر بين أن يأمر الغاصب بهدم بنائه وتسوية الأرض كما كانت، أو أن يدفعَ المالكُ للغاصب قيمةَ بنائه منقوضًا ويأخذه، قال الدردير شارحًا كلام خليل رحمه الله: “(وَ) خُيِّرَ الْمَالِكُ (فِي بِنَائِهِ) أَيْ: بِنَاءِ الْغَاصِبِ عَرْصَةً، أَوْ فِي غَرْسِهِ (فِي أَخْذِهِ) أَيْ: الْبِنَاءِ وَكَذَا الْغَرْسُ (‌وَدَفْعِ ‌قِيمَةَ ‌نُقْضِهِ) -بِضَمِّ النُّونِ- بِمَعْنَى مَنْقُوضِهِ أَيْ: قِيمَتِهِ مَنْقُوضًا إنْ كَانَ لَهُ قِيمَةٌ بَعْدَ الْهَدْمِ لَا مَا لَا قِيمَةَ لَهُ كَجِصٍّ وَجِيرٍ وَحُمْرَةٍ (بَعْدَ سُقُوطٍ) أَيْ: إسْقَاطِ أُجْرَةِ (كُلْفَةٍ لَمْ يَتَوَلَّهَا) الْغَاصِبُ بِنَفْسِهِ، أَوْ خَدَمِهِ… وَحَذَفَ الْمُصَنِّفُ الشِّقَّ الْآخَرَ مِنْ شِقَّيْ التَّخْيِيرِ، وَهُوَ أَن يَأْمُرُهُ بِهَدْمِهِ” [الشرح الكبير: 3/454].

وعليه؛ فإنه يحق للورثة أن يطالبوا الغاصب بقيمة كراء الأرض خالية مدة استيلائه عليها، وكذلك لهم أن يطالبوا بأجرة هدمهم للبناء الذي بناه الغاصب، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد بن ميلاد قدور

حسن بن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

29//شعبان//1445هـ

10//03//2024م 

 

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق