بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5866)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أعمل في قطاع الصحة، وقد كلفت بمهمة مكافحة التدخين وتجارة التبغ في ليبيا، بالتعاون مع الجهات العامة والدولية، ومن الخطط المتبعة لمكافحة التدخين: زيادة الضريبة على بيع الدخان ومشتقاته، فسأكون ممن يسعون لزيادة الضرائب على بيع التبغ والاتجار به، وممّا أعلمه أنّ الضرائب مِن أكلِ مالِ المسلم بغير حق، فهل عملي ضمن هذه الخطط مباح؟ علمًا أن القانون الليبي يجعل الضرائب على التبغ مصدرًا لمرتبات التضامنِ الاجتماعي.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّ حرمةَ الأموال كحرمة الدماء والأعراض، وقد جاءت الآيات والأحاديث النبوية بذم المكوس (الضرائب)، قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ﴾ [النساء: 29]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحلُّ مالُ امرئٍ مسلمٍ إلا بطيبِ نفسٍ منه) [البيهقي: 11545]، وقال صلى الله عليه وسلم :(إنَّ صاحبَ الـمَكْس في النار)[أحمد:17464]، وقال صلى الله عليه وسلم في المرأة التي زَنَتْ ثم تَابَتْ: (والذي نفسي بِيَدِه، لقد تابتْ توبةً لو تابَها صاحبُ مَكْس لغُفِر له) [مسلم:3208]، قال أبو العباس القرطبي رحمه الله: “صاحب الـمَكْس: هو الذي يأخذُ من الناس ما لَا يلزمهم شرعًا من الوظائفِ المالية بالقَهْر والجَبر، ولا شك في أنه من أعظم الذنوب، وأكبَرِها، وأفحشها، فإنَّه غصب، وظلمٌ، وعَسفٌ على الناس، وإشاعةٌ للمنكر، وعملٌ به، ودوامٌ عليه” [المفهم: 5/99]، والضرائب التي تؤخذ على الدخل كلها من هذا القبيل، لا تحلُّ في بلادنا لعدم توفر شروط فرضها.
والمقصدُ وإن كان حسَنا مشروعًا، فوسيلته يجبُ أن تكون مشروعة، فالغاية لا تبرر الوسيلةَ إلا بدليل.
عليه؛ فلا يجوز العمل على مكافحة التدخين بفرضِ الضرائب والمكوسِ، بل الواجب على الجهاتِ المسؤولة في الدولة محاربةُ التدخين بمنع استيراده، وسنّ القوانين لحظرِ الاتجارِ به، كما هو الحالُ في المخدراتِ والمسكراتِ، وأن تخصص نفقات التضامن من ميزانية الدولة كسائر نفقات القطاعات الأخرى، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الدائم بن سليم الشوماني
عبد الرحمن بن حسين قدوع
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
06//جمادى الآخرة//1446هـ
08//12//2024م