بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5257)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
حبَّس جدي قطعة أرض مساحتها (2294م2)، بما عليها من أشجار وبناء وماء للشرب، وجعلها صدقة جارية لله تعالى، وجعل أمي (م) وكيلة عليها، وذلك حسب الوثيقة المرفقة، التي عثرنا عليها بعد بناء منزلين على أرض الوقف دون علم بذلك، فهل تجوز مناقلة الأرض الموقوفة بأرض أخرى قريبة منها، مساحتها (2012م2)، يقطعها طريق معبد؟ علما أنَّ الأرض الأخرى تحتوي على أشجار زيتون أكثر من أرض الوقف، وأنها ستكون أكثر فائدة في المستقبل من أرض الوقف؛ لكونها مطلة على طريق ستعبَّدُ قريبًا بإذن الله، وأن البناء الذي على أرض الوقف متهالك، ثم مَن الذي يكون ناظرًا على أرض الوقف بعد أن توفيت أمي؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالأصلُ أن لا يُتصرفَ في أرضِ الوقف، بأيٍّ مِن أوجهِ التصرفِ التي تُذهب عينها، إلا إذا خيفَ عليها الضياع، ولم يمكن الانتفاعُ بها على الوجهِ الذي حدده الواقف، أو تضرر منها المحيطون بها، أو كان في استبداله غبطة للوقف ترفع من قيمته، فتستبدل بأرضٍ أخرى أفضلَ منها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرارَ) [ابن ماجه:2331]، وفي المعيار عن ابن رشد، أنه سئل عن حكم معاوضة أرض غامرة تابعة لمسجد، فأجاب: “إِنْ كَانَتِ الْقِطعَةُ مِنَ الأرضِ الْمُحَبّسةِ قَدِ انْقَطَعَتْ مَنْفَعَتُهَا جُمْلَةً، وَعَجزَ عَنْ عِمَارَتِهَا، فَلَا بَأْسَ بِالْمُعَاوَضَةِ فِيهَا بِمَكَانٍ يَكُونُ حُبسًا مَكَانَهَا، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِحُكْمٍ مِنَ الْقَاضِي بَعْدَ ثُبُوتِ ذَلِكَ السَّبَبِ، وَالْغِبْطَةِ فِي الْعِوَضِ وَيُسَجِّلُ ذَلِكَ وَيُشْهِدُ بِهِ” [المعيار المعرب: 7/138].
وإذا مات الناظر أو لم يعد صالحًا للنظارة؛ عَيَّنَ الواقفُ إن كان حيًّا ناظرًا غيرَه، فإن ماتَ أو لم يفعل؛ عيَّنَهُ القاضي، قال الدسوقي رحمه الله: “فَإِنْ مَاتَ النَّاظِرُ -وَالْوَاقِفُ حَيٌّ- جَعَلَ النَّظَرَ لِمَنْ شَاءَ، فَإِنْ مَاتَ فَوَصِيُّهُ إِنْ وُجِدَ، وَإِلَّا فَالْحَاكِمُ” [حاشية الدسوقي: 4/91].
عليه؛ فإن كان الحال كما ذكر، من كون الأرض التي ستناقل بها أنفع للوقف؛ جازتِ المناقلة في الأرض المذكورة، ويجب أن يكون ذلك بإشرافِ العُدول وأهلِ الرأيِ في المحلّة، ويرفع إلى القاضي المختصّ ليثبته لديه؛ حفاظًا على مصلحة الوقف، وتحقيقًا لغرضِ الواقف، ويجب تعويض النقص في المساحة الحاصلِ بسبب المناقلة، بشراء قطة أرض مجاورة للأرض التي ستصيرُ وقفًا، تُضمُّ إليها، ويجب تعيين ناظر للوقف عن طريق المحكمة، ويمكن لجماعة المسلمين بالمنطقة، من أهل الخير والصلاح وصلاة الجماعة في المساجد، أن تعيِّن ناظرًا للوقف، إذا تعذر الحكم بالنظارة من قبل المحكمة، ويجعل للناظر أجرةً من غلة الوقف، حسبَ العرف المعمولِ به في تلكَ الجهة، وعلى ناظرِ الوقف بعد تعيينه، أن يقومَ باستغلال الأرضِ واستثمارها؛ ليكونَ لها ريع، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
14//محرم//1445هـ
01//08//2023م