حكم منع الحمل لتوقع إعاقة الأولاد
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5924)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
شخصٌ متزوج من امرأة ليست قريبة له، تبين أن فصيلتهما واحدة، والأطباء قالوا له إن هذه الحالة تقع لشخص أو شخصين من بين كل مليون شخص، أنجب هذا الشخص أولادًا، فكان الأول معاقًا، والثاني معافى، والثالث معاقًا أيضًا، يعاني الأولاد المعاقون من نحافة شديدة، وتوقف في النمو، وقيل له بحسب العادة في مثل هذه الحالات؛ سيكون له من بين كل خمسةِ أولاد، واحد معافى فقط، وأربعةٌ معاقون، فهل يجوزُ للزوجين التوقف عن الإنجاب في هذه الحالة، باستخدام العزل، أو الحبوب، أو اللولب؟
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فالعَزْلُ – وهو إخراج الرجل عضوه عند الجماع؛ لينزلَ ماؤُه خارجَ الفرْج حذرَ الحمل – جائزٌ بإذن الزوجةِ وموافقتها، إذا دعتْ إليه حاجة، فعن جابر رضي الله عنه: (أَنَّ رَجُلا أَتَى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ لِي جَارِيَةً هِيَ خَادِمُنَا وَسَانِيَتُنَا وَأَنَا أَطُوفُ عَلَيْهَا وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ فَقَالَ اعْزِلْ عَنْهَا إِنْ شِئْتَ فَإِنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا) [مسلم: 1439]، وعنه رضي الله عنه قال: (كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ الله صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَنْهَنَا) [مسلم: 1440].
وفي حكمِ العزلِ، استعمالُ الموانِع الحديثة للحمل استعمالًا مؤقَّتا، مثل حبوب منع الحمل، أو وضع مرهم داخل المهبل لقتل الحيوان المنوي قبل التلقيح، أو وضع الغِشاء على عضو الرجل أثناء الجماع، كل ذلكَ جائز، إذا كان باتفاقِ الزوجيْن لحاجة تدعُو إليه، ولا يحدثُ منه ضررٌ لأحدهما.
أما تركيب اللولب، وهو حلقة صغيرة توضع داخل الرحم لمنع الحمل، فإنْ كانت وظيفتُه إفسادَ النطفة بعد التلقيحِ -وهو الظاهر- فهو محرمٌ شرعًا؛ لأنه إجهاضٌ مبكر، والإجهاض ممنوع سواء كان قبل الأربعين يومًا أو بعدها، قال الصّاوي رحمه الله: “لاَ يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْمَنِيِّ الْمُتَكَوِّنِ فِي الرَّحِمِ وَلَوْ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَإِذَا نُفِخَتْ فِيهِ الرُّوحُ حَرُمَ إِجْمَاعًا” [حاشية الصاوي على الشرح الصغير: 2/420].
وأما إن كانت وظيفته منع تلقيح البويضة، وعدم حصوله ابتداءً، فاستعماله بتراضي الزوجين جائزٌ -إذا لم يكن فيه كشف عورة لغير الزوج- قياسًا على العزل، قال الزّرقاني رحمه الله: “وَمِثْلُ الْعَزْلِ أَنْ يَجْعَلَ فِي الرَّحِمِ خِرْقَةً وَنَحْوَهَا مِمَّا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ لِلرَّحِمِ” [شرح الزرقاني: 3/399]، وأما إن شُكَّ في وظيفته، هل يمنعُ التلقيح ابتداءً أو يُفسده بعد حصوله، فالأَوْلى تركُه، واستعمال مانع آخرَ يمنع التلقيح؛ لأنّ مَن اتقى الشبهات فقد استبرأَ لدينه وعرضه.
أمّا قطع الإنجابِ وتحديدُ النَّسْل بصفة دائمة، مثل إزالةِ الرحم أو ربطه، أو تعاطي دواء يسببُ العقم، أو يقطعُ الحمل مِن أصله فهو ممنوع، إلّا للضرورة القصوَى، التي يخاف منها على حياةِ الأم، بإخبارِ الطبيب الحاذقِ المؤتمن؛ لأنّ قطعَ النَّسل مخالفٌ للغرض الذي من أجله شرَّع الله تعالى النِّكاح، وهو بقاءُ النوع الإنساني واستمرارُه، قال صلى الله عليه وسلم: (تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ) [أبوداود: 2050]، وجاء في قرارِ مجمعِ الفقه الإسلامي [رقم/39] ما نصّه: “يحرمُ استئصالُ القدرة على الإنجاب في الرجل أو المرأة، وهو ما يعرفُ بالإعقامِ أو التعقيم، ما لم تدعُ إلى ذلك الضرورة بمعاييرها الشرعية”.
عليه؛ فلا بأس للزوجينِ أنْ يستخدمَا الموانعَ المؤقتة، كالعزلِ والحبوبِ ونحوها؛ بسبب الإعاقة المتوقعة، ولا ينبغي لهما استعمال اللولب، ولا يجوزُ لهما الإجهاضُ في حال حصول حمل؛ للسبب المذكور، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
حسن بن سالم الشّريف
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
06//شعبان//1446هـ
05//02//2025م