بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5729)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
زارت لجنة من مكتب إفتاء مصراتة مقبرة (الثلاثاء)، الواقعة بمنطقة زاوية المحجوب، وبعد وقوف اللجنة على حال المقبرة تبين الآتي:
- المقبرة ذات مساحة كبيرة، وهي ممتلئة بالقبور، لم يبق منها إلا قدر يسير جهة الطريق، معد للصلاة على الجنائز.
- اللجنة المشرفة ترغب في تسوية القبور بالجهة الغربية من المقبرة وردمها، وقد أفاد أحد الجيران -وهو مسن بلغ من العمر 100 عام وكان يحفر القبور منذ صغره- بأن هذه الجهة من المقبرة لا يدرِكُ متى توقف الدفن بها، وأن القبور التي فيها تجاوزت 150 عامًا حسب تقديره.
- الجهة الغربية المذكورة مرتفعة نسبيًّا، والقبور بها مستوية بالأرض، ولا يظهر إلا أثر الشواهد الدالة على القبور.
السؤال: ما حكم نبش القبور العافية في هذه الجهة وردمها وتسويتها؛ لإعادة الدفن بها؟
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فالأصلُ أن لا يُتصرّف في المقبرة بأيّ نوعٍ من أنواع التّصرّف؛ لأنّ القبر حبس على صاحبه، ما دامَ به شيءٌ من عظامِه غير عَجْب الذَنَب، قال ابن الحاج رحمه الله: “… وَذَلِكَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ رَحْمَةُ اللَهِ عَلَيْهِمْ قَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي يُدْفَنُ فِيهِ الْمُسْلِمُ وَقْفٌ عَلَيْهِ، مَا دَامَ شَيْءٌ مِنْهُ مَوْجُودًا فِيهِ، حَتَّى يَفْنَى، فَإِنْ فَنِيَ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ دَفْنُ غَيْرِهِ فِيهِ، فَإِنْ بَقِيَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ عِظَامهِ فَالْحُرْمَةُ بَاقِيَةٌ لِجَمِيعِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْفَرَ عَلَيْهِ وَلَا يُدْفَنَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَلَا يُكْشَفَ عَنْهُ اتِّفَاقًا” [المدخل: 2/18-19]، وقال الدّردير رحمه الله: “(وَلَا يُنْبَشُ) أَيْ يَحْرُمُ (مَا دَامَ) الْمَيِّتُ أَيْ مُدَّةَ ظَنِّ دَوَامِ شَيْءٍ مِنْ عِظَامِهِ غَيْرَ عَجْبِ الذَّنَبِ (بِهِ)” [الشّرح الكبير: 1/428]، ولأنّ فيه إيذاءً للأمواتِ، فقد صحّ عن النّبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: (كَسْرُ عَظْمِ المَيّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا) [أبوداود: 3207].
عليه؛ فإذا تحققتمْ مِن فناءِ عظامِ الموتى، وأنها صارتْ ترابًا، واستعنتمْ في ذلكَ بأهلِ الخبرةِ والمعرفةِ، جازَ لكم حينئذٍ الدّفنُ في الأجزاء القديمة التي بليت عظامها من المقبرة، دون حاجةٍ إلى ردمِها، وللتحقق من ذلك؛ يمكن تكليف أهل المعرفة والخبرة بنبش بعض القبور، في الجزء الذي مضى على انقطاع الدفن فيه المدّةُ الطويلة، وبناء عليه إذا تبين فناء ما في القبور من الأموات، جاز لكم الدفن فيها من جديد.
وإذا تبيّنَ أَنّ العِظَامَ ما تزال في القبر، فلا يجوز نبش القبر والدفن في موضعه، ولا ردمه بالتراب للدفن فيه.
ويمكنكم للاستفادةِ مِن الْمَقْبَرَةِ إذا تبين عدم فناء عظام قبورها تغطية القبور بطبقةٍ من الخرسانةِ المسلَّحة، قائمةٍ على قواعدَ تُحفرُ في كلّ مسافةٍ من المقبرة، تُحمل عليها الخرسانات، ثم تُردم الخرساناتُ بمستوًى من التّراب، يَتم الدفن فيه، هذه هي الطّريقة الّتي يكون بها الرّدم، إنْ أردتم أنْ تستفيدوا من المقبرة بالدفنِ فوق القبور التي لم تبل عظامها، بحيثُ تحفظُ حرمةُ هذه القبور، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
حسن سالم الشّريف
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
02//صفر//1446هـ
06//08//2024م