بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5431)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤالان التاليان:
السؤال الأول:
أنا متزوج منذ سبعة أعوام وعندي ولدان، وأُعاني من كثرة المشاكل بيني وبين زوجتي، وهي الآن في بيت أهلها إثرَ خلافٍ حصل بيننا، وعند تدخل أهل الخير للصلح اشترطَتْ للرجوع إلى البيت أن تستمر في وظيفتها، التي تحصلَتْ عليها بمساعدة إخوتها، دون أن تستأذننِي في ذلك، فما حكم اشتراط الزوجة استمرارَها في العمل حتى ترجع إلى البيت، وإلا بقيت عند أهلها ومعها الأولاد؟ مع العلم أني ميسور الحال، ولم أقصر في النفقة على زوجتي وأولادي.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنَّه لا يجوز للمرأة الخروجُ من بيت زوجها للعمل أو لغير العمل لغير ضرورة، إلا بإذنه، والواجب عليها طاعتُه في المعروف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) [البخاري: 6830، ومسلم: 1840]، كما أنَّ على الزوج أن يقوم بما وجبَ عليه لزوجته من النفقة وحسنِ العشرة، قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ) [النساء: 19].
فإذا قام الزوج بما وجب عليه، ثم خرجت زوجته من بيته بغير إذنه؛ فإنَّ فِعْلَها يكون معصية؛ وللزوج أن يمنعها، قال تعالى (فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا).
قال الدردير رحمه الله: “النُّشُوزُ: الْخُرُوجُ عَنِ الطَّاعَةِ الْوَاجِبَةِ، كَأَنْ مَنَعَتْهُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا، أَوْ خَرَجَتْ بِلَا إِذْنٍ لِمَحَلٍّ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَأْذَنُ فِيهِ” [الشرح الكبير: 2/343]، فإن استمرت الزوجة على نشوزها، وامتنعت عن الرجوع إلى بيت زوجها، فإنَّ نفقتَها تسقط عن الزوج، قال ابن عبد البر رحمه الله: “وَمَنْ نَشَزَتْ عَنْهُ امْرَأَتُهُ بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا سَقَطَتْ عَنْهُ نَفَقَتُهَا، إِلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا” [الكافي: 559/2].
ولا يحقُّ للزوجة أن تشترط استمرارَها في العمل حتى ترجع إلى البيت؛ لأنَّ الله جعل القوامة للزوج، قال تعالى: (ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡۚ) [النساء: 34]، ولأنَّ طاعته واجبة، وهو لم يأذن في خروجها للعمل، ولأنَّه هو المخاطَب بالإنفاق، قال تعالى: (لِيُنفِقۡ ذُو سَعَةٖ مِّن سَعَتِهِۦۖ) [الطلاق: 7]، وهو قائم بهذا الواجب.
وعليه؛ فإن كان الحال كما ذكر من أنَّ الزوج قائم بما وجب عليه من النفقة، ولم يصدر منه ظلمٌ للزوجة ولا إضرار بها، فإنّها تكون ناشزًا بخروجها من بيته، والواجب عليها أن تتوب إلى الله من هذه المعصية، وأن ترجع إلي بيت زوجها من غير شرط، وأن تطيعه فيما لا معصية فيه لله، والله أعلم.
السؤال الثاني:
ما حكم تدخل أهل الزوجة في شؤوننا الخاصة، كقيامهم بإيصال زوجتي إلى مكان ما، إذا رفضْتُ فعلَ ذلك؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنَّ الله تعالى أمر بإصلاح ذات البَين، قال تعالى: (فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصۡلِحُواْ ذَاتَ بَيۡنِكُمۡۖ) [الأنفال: 1]، وحثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على عدم التدخل في شؤون الآخرين دون رضاهم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ) [الترمذي:2317]، وأمَرَ مَن تحدَّث في شؤونهم ألَّا يقولَ إلا خيرًا، قال صلى الله عليه وسلم: (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ) [البخاري: 5672، ومسلم: 74].
وحذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من الإفساد بين الزوجين، فقال: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا) [أبوداود: 2175]، والتخبيب: إفساد العلاقة بين الزوجين.
وعليه؛ فلا يجوز لأهل الزوجة التدخلُ في شؤونها وشؤون زوجها، ولا الوقوفُ بجانبها في عصيانِ الزوج، ومساندتُها على ما يخلّ بحقوقه، بل الواجب عليهم أن يسعوا في استقرار حياة ابنتهم مع زوجها، وألا يتدخّلوا في شؤونهما إلا بالإصلاح، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
06// جمادى الآخرة//1445هـ
19//12//2023م