بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5120)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
وَهبَ لي والدِي بيتًا مِن طابقين، فسكنْتُ في الطابقِ الأولِ مدةً طويلةً، ثم طلبَ مني والدي أن أتنازلَ عن الطابق الثاني لأخي الأصغر؛ لأجلِ أن يتزوجَ ويسكن فيه، وقد تنازلتُ في وثيقة رسميةٍ عن النصف من كامل البيت، ولم يسكنْ معي أخي في هذا البيتِ إلى أن توفي العام الماضي، فكيفَ تَتم قسمةُ البيت؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنَّ مِن شرطِ تمام الهبة الحيازة، وذلك بأن يتصرفَ الموهوبُ له في الهبة تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ في حياةِ الواهِب، كي تتحققَ الحيازة الشرعيةُ التي ينتقلُ بها الْمِلك، فإن لم تتمَّ الحيازةُ حتى حصلَ للواهب مانعٌ، مِن فلسٍ أو موتٍ أو مرضٍ مخوف متصلٍ بالموت؛ فقد بطلتِ الهبة، وصارت ميراثًا، يقتسمُه جميع الورثة، قال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله: “وَلَا تَتِمُّ هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا حُبُسٌ إِلَّا بِالْحِيَازَةِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تُحَازَ فَهْيَ مِيرَاثٌ” [الرسالة: 117]، والحيازةُ في كل شيءٍ بحسبه، فحيازة العقار الموهوب تكونُ بتخليةِ الواهبِ له، وإفراغِه من متاعه وشواغله، وتصرُّفِ الموهوبِ له فيه تصرفًا يدلُّ على التملّكِ، كأن يسكنَ الدارَ أو يُكرِيَها، أو يحرثَ الأرضَ، أو يبنيَ عليها.
والحيازة تحصل -أيضا- ببيعِ أو هبةِ الهبةِ قبلَ قبضها، قال الدردير رحمه الله: “(أَوْ بَاعَ، أَوْ وَهَبَ) الْهِبَةَ قَبْلَ قَبْضَهَا، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهَا الْمُشْتَرِي أَوْ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلَا تَبْطُلُ، وَيُنَزَّلُ فِعْلُهُ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْحَوْزِ (إِذَا أَشْهَدَ) عَلَى ذَلِكَ (وَأَعْلَنَ) عِندَ حَاكِمٍ بِمَا فَعَلَهُ” [الشرح الكبير:103/4]. وينتقلُ حقُّ الحيازةِ مِن الموهوبِ له إلى ورثتِهِ، إن لم يقصدِ الواهبُ بالهبة عينَ الموهوب له، فإن قصدَ عينَ الموهوبِ له وماتَ قبل حوزه، فلا ينتقلُ الحقُّ لورثته، وترجعُ للواهب، قال النفراوي رحمه الله: “(وَلَوْ مَاتَ الْمَوْهُوبُ لَهُ) الْحُرُّ الَّذِي لَمْ تُقْصَدْ عَيْنُهُ لَمْ تَبْطُلْ الْهِبَةُ بِمَوْتِهِ وَ(كَانَ لِوَرَثَتِهِ الْقِيَامُ فِيهَا عَلَى الْوَاهِبِ الصَّحِيحِ) لِأَنَّهَا صَارَتْ حَقَّا لَهُ… وَقَيَّدْنَا ِبقَوْلِنَا الَّذِي لَمْ تُقْصَدْ عَيْنُهُ لِلْاحْتِرَازِ عَمَّا لَوْ كَانَ الْوَاهِبُ قَالَ: هَذِهِ هِبَةٌ لِفُلَانٍ بِعَيْنِهِ لَا لِغَيْرِهِ وَلَا لِوَارِثِهِ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَا يَأْخُذُهَا الْوَارِثُ، فَإِنْ حَصَلَ التَّنَازُعُ فِي قَصْدِ عَيْنِهِ وَعَدَمِ قَصْدِهَا، فَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ لِأَحَدِهِمَا عُمِلَ عَلَيْهَا”[الفواكه الدواني:160/2].
عليه؛ فإن البيت كاملًا بالطابقين هو ملكٌ للأخِ الأكبر؛ بمقتضى الهبةِ الأولى مِن الأب، وتمامِ الحيازةِ مِن الابن الأكبر؛ أما الهبةُ الثانية من الابنِ الأكبرِ لأخيه، فلم تتم معها الحيازةُ؛ لأنّ الابنَ الأصغر ماتَ قبلَ أن يستلمَ شيئًا من البيت، وحقُّ الحيازة قد سقطَ بموتِ الموهوبِ له المعين -الأخ الأصغر- ولا ينتقلُ لورثته؛ لأنّ المقصود من الهبةِ هو الأخُ الأصغرُ عينُه، لا غيره، بقرينةِ ما ذكر مِن أنّ السببَ في الهبةِ للابنِ الأصغرِ هو أنْ يتزوجَ فيه، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
06//شعبان//1444هـ
26//02//2023م