خصومة المحامي عن موكلِّه الظالم
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (1348)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
بعض الإخوة الفلسطينيين يشغلون عقارات آلت إلى الدولة سابقًا، بموجب القانون رقم (4) لسنة 1978م، بشأن الملكية العقارية.
ثم قامت الدولة برد العقارات لأصحابها، إلا أنه وفقًا لقرارات رد العقارات فإن الدولة تبقي على العلاقة الإيجارية بين الفلسطينيين والمالك الجديد، بنفس الشروط المبينة بعقد الإيجار مع الدولة بما فيها القيمة الإيجارية، وذلك وفقاً لأحكام القانون رقم(28) لسنة 1976م، بشأن إيجار الأماكن، والذي لايجيز للمؤجر طلب إخلاء المكان المؤجَّر، إلا لأسباب محددة على سبيل الحصر، وليس من بينها انتهاء مدة العقد، وعندما يقوم ملاك العقارات برفع دعاوى قضائية لطلب إخلاء العقارات التي يشغلها الإخوة الفلسطينيون، يحضر إلينا بعض هؤلاء الإخوة، طالبين الدفاع عنهم في تلك الدعاوى.
فهل ندافع عن الإخوة الفلسطينيين في الدعاوى المرفوعة ضدهم من ملاك العقارات التي يسكنونها وفقًا لأحكام القانون الساري حاليًّا، وهو القانون رقم(28) لسنة 1976م، أم لا ندافع عنهم، علماً بأن بعض الإخوة الفلسطينيين لا يملكون ما يؤجرون به عقاراً آخر؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فلا يجوز شرعًا الاستيلاء على أملاك الغير بغير وجه حق، سواء كانت الأملاك خاصة أو عامة؛ لقول الله تعالى: )يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ( [النساء:29]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أخذ شبرًا من الأرض بغير حقه طوقه في سبع أرضين يوم القيامة) [البخاري:2322، مسلم:1610].
وكل ما حصل بموجب القانون رقم (4) لسنة 1978م، تعد وغصب لا يَثْبُتُ به حق، ونص العلماء على أن حكم الحاكم ينقض إذا خالف الأدلة الشرعية الصريحة، ولا ينفذ حكمه، ويبقى الحق لأصحابه، ولا يختلف الحكم باختلاف العقار، ولا باختلاف حال من بيده العقار، سواء كان محتاجًا أو غير محتاج، فكله يسمى غصباً، وكله حرام، والحاجة لاتحل أموال الناس، وكذلك القانون رقم (28) لسنة 1976م، فيه تعد وظلم للمؤجر من حيث إلزامه بقيمة محددة للإيجار لا يحق له أن يتجاوزها، ولا يحق له طلب إخلاء المكان بانتهاء العقد، وغيرها من الشروط المجحفة بالمؤجر.
ومهنة المحاماة عبارة عن وكالةٍ بالخصومة، والوكالة بالخصومة صورة من صور الوكالة التي دلّ على مشروعيتها القرآن الكريم والسّنّة النبوية والإجماع، وجواز التوكيل بالخصومة مشروط بأن تكون الخصومة بحقّ لابباطل وفجور، فإذا علم المحامي أن موكِّلَه ظالم، وأن الحق في شرع الله ليس له، حَرُمَ عليه الخصام، قال الله تعالى: )وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا( [النساء:105]، وقال الله تعالى: )وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا( [النساء:107]، ومن أعان على خصومة بباطل كان له كفل منها، قال الله تعالى: )وَمَنْ يَّشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا([النساء:85]، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله، ومن خاصم في باطل وهو يعلمه، لم يزل في سخط الله حتى ينزع عنه) [أبوداود:3597]، وفي رواية: (من أعان على خصومة بظلم فقد باء بغضب من الله عز وجل) [أبوداود:3598].
عليه؛ فالواجب على كلّ من امتهن مهنة المحاماة أن يتقي الله، ويحرص كلّ الحرص على أن لا تكون القضايا التي يترافع عنها قضايا ظلم وتعد، وعلى الدولة أن تنظر في أحوال المتضررين بسبب هذا القانون من الطرفين الملاك والمستأجرين، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
محمد علي عبد القادر
أحمد محمد الغرياني
أحمد محمد الكوحة
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
18/شعبان/1434هــ
2013/6/27م