دفع مال إلى مكتب خدمات لاسترجاع عقار مغصوب
الأجرة على الجاه ممنوعة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
رقم الفتوى (4625)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
كان والدي يملك قطعة أرض، وبنى عليها عقارًا، وعند صدور قانون 4 سنة 1978م آل إلى مصلحة الأملاك العامة، وفي عام 1993م قمنا برفع دعوى لاسترجاع العقار، وفي سنة 2007م صدر لنا تعويض فرفضناه ولم نأخذه؛ لكونه مجحفًا بحقنا، وفي سنة 2015م رفعنا قضية ضد مصلحة التسجيل العقاري والأملاك العامة، لاسترجاع العقار، وربحنا القضية، ولكن إدارة القضايا استأنفت ضدنا سنة 2018م، وخسرنا القضية، ثم رفعنا قضية غش وتزوير سنة 2020م، وهي لا تزال تحت الإجراءات، ثم قمنا بتقديم طلب آخر إلى لجنة التعويضات لاسترجاع العقار، ولكن لم يتم شيء لعدم استقرار الدولة، ومن مدة قريبة عرض عليّ مكتب محاماة يشتغل فيه موظفون يعملون مع النائب العام، أن يقوموا برفع قضية طرد للمقيمين بالشقق ومتابعتها، مع ضمان الحكم والتنفيذ المستعجل بإخلاء العقار، وطلبوا نظير أتعابهم مبلغ ثلاثين ألف دينار مقدم، وثمانمائة ألف دينار مؤخر بعد استرجاع العقار، فما حكم ذلك؟
الجواب:
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن هذا القانون من القوانين الجائرة، التي أباحت ممتلكات الناس ظلمًا وعدوانًا، فاغتُصبت بموجبه العديدُ من الممتلكات، وكل ما حصل بموجب هذا القانون مِنْ تَمَلُّكٍ للأملاك بدون رضا أصحابها يعد باطلًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) [البيهقي: 5492]، ونص العلماء على أن حكم الحاكم يُنقض إذا خالف الشرعَ، ولا ينفذ حكمه، ويبقى الحقّ لأصحابه، ويجب على من امتلك عقارًا بموجب هذا القانون أن يردَّه لأصحابه، ويتوب ويرجع إلى الله عز وجل، ويتحلل منهم، وعلى صاحبِ الحقّ أن يرجع إلى القنوات المعتادة في استرداد الحقوق، وذلك بالترافع إلى القضاء.
وأما ما طلبه المكتب من مال لاسترجاع العقار، فإذا كان نظير عمل معلوم فهو جائز، لكن بشرط أن يسلم من الأمور الآتية:
– ألا يكون العمل الذي قام به آخذ المال من الأعمال الواجبة عليه، الداخل ضمن وظيفته، والذي يتقاضى عليه مرتبًا شهريا.
– أن يكون العمل خدمة مشروعة خالية من التزوير والكذب.
– أن يكون العمل خدمة تتطلب جهدًا، وليس لمجرد استعمال جاهه؛ لأن الأجرة على الجاه ممنوعة.
– وألاّ يتوصل إليه عن طريق الإهداء لبعض الموظفين، أو إعطائهم نسبة من المال؛ لأن ذلك من الرشوة والسحت، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الرّاشِي والمرتشي) [ابن ماجه: 2313].
عليه، فإن كان الحال كما ذكر، فالواجب عليك التبين من المكتب بخصوص المال المطلوب، فإن تحققت الشروط المذكورة وسلمت المعاملة مما ذكر جاز، وإلا حرم عليك ذلك؛ لأنه من الإعانة على المنكر؛ لقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: 2]، والحلال ما أحله الله تعالى، والحرام ما حرّمه، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه، والله أعلم.
وصلَّى الله على سيّدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
28//محرم//1443هـ
05//09//2021م