بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3116)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
أنا (ع) ابن (ز)، تنازلتُ وأسقطت لصالح باقي ورثة (ز) كامل وجميع سطح مسكن قائم بمدينة (س)، وتنازلتُ وأسقطت لصالح باقي الورثة كامل وجميع حصتي ونصيبي في قطعة أرض فضاء، مساحتها 400م، وكامل المنزل القائم عليها داخل سور المنزل، الكائنة بـ(س)، وذلك تنازلا نهائيا وباتا، كما في العقد المرفق، وأنه لا يحق لي مطالبة الورثة بأي شيء، ويسكن البيت الآن الورثة غير المتزوجين، وهم أخ وأختان، وكنت في ذلك الوقت ليس لديّ أطفال، والآن وقد أنعم الله علي بتوأم – ولد وبنت – ولظروفي الاجتماعية والمالية، أرغب في الرجوع عن هذا التنازل، فهل يجوز لي ذلك؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن ما قمتَ به من تنازل يُعدّ هبة لازمة، ولا يجوز لك الرجوع فيه؛ لقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: (العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه) [البخاري:2449]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل للرجل أن يعطي عطية ثم يرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده) [سنن الترمذي:2132]، وذلك لأن الإخوة قبلوا الهبة وحازها بعضهم، والحيازة من بعضهم تغني عن باقيهم، قال القاضي عبد الوهاب رحمه الله: “عقد الهبة يصح بالقبول والإيجاب، ويلزم من غير قبض” [الإشراف:673/2]، قال النفراوي رحمه الله: “ولا تتم هبة… إلخ، أن المذكورات تصح وتلزم بمجرد القول أو الفعل الدال عليها، ويقضى على الفاعل بدفعها على المذهب، وليس له رجوع فيها” [الفواكه الدواني:154/2].
وعليه؛ فلا يجوز لك الرجوع عن الهبة؛ لما تقدّم ذكره، ولأن الهبة لذوي الأرحام، في حكم الصدقة لا يجوز الرجوع فيها؛ ففي شرح التحفة: “لا رجوع في (ما وهب للأيتام، والفقراء، وأولي الأرحام) من عمة وخالة وابنة أخ وخال ونحو ذلك؛ لأن الهبة في ذلك كله في معنى الصدقة، فيكره تملكها بغير إرث، ولا يصح اعتصارها” [البهجة في شرح التحفة:396/2]، حتى إن تغيرت ظروفك المالية والاجتماعية، بل يجب عليك تمكين الموهوب لهم من حيازة الهبات، ما داموا على قيد الحياة، وتحتسب ذلك، فلك فيها أجر الصدقة، ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
08/صفر/1438هـ
08/نوفمبر/2016م