طلب فتوى
الفتاوىالقرضالمعاملاتالمواريث والوصايا

سداد دين الميت قبل قسمة التركة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5999)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

وهب لي والدي شقة في لندن، وقد استلمتها منه في حياته، وذلك لأني القائم على جميع معاملاته المالية، ثم توفي والدي رحمه الله وعليه دين قدره 90000 ألف دولار، وقد أعلمتُ الورثة بالدين، ولكن لم نستطع سداده من التركة قبل قسمتها، لأن العقارات وغيرها من الممتلكات كانت غير متاحة للبيع، بسبب تسلط النظام السابق عليها بقانون رقم 4 وغيره، ولم يمكن السداد إلا ببيع الشقة التي وهبها لي والدي، فاتفقت معهم على بيع الشقة وسداد الدين، على أن أرد الثمن بعد الحصول على الأملاك من الدولة، وقد بعت الشقة بثمن قدره 150000 جنيه إسترليني، وسددت الدين عن والدي، والآن تم الحصول على جميع ممتلكات والدي، فهل يحق لي إرجاع ما سددته عن والدي قبل تقسيم الممتلكات على الورثة؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن الأصل سدادُ الدَّين مِن تركة الميت قبل تقسيم التركة؛ لقوله تعالى: ﴿مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: 11]، والتعجيل بسدادِ دينِ الميت واجبٌ؛ لما في تأخيره من ضرر على الميت، قال النبي r: (نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ) [الترمذي: 1078]، قال خليل رحمه الله: “يُخْرَجُ مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ حَقٌّ تَعَلَّقَ بِعَيْنٍ كَالْمَرْهُونِ… ثُمَّ مُؤَنُ تَجْهِيزِهِ بِالْمَعْرُوفِ، ثُمَّ تُقْضَى دُيُونُهُ، ثُمَّ وَصَايَاهُ مِنْ ثُلُثِ التَّرِكَةِ، ثُمَّ الْبَاقِي لِوَارِثِهِ” [المختصر:303]، وبما أن الورثة لم يتمكنوا من سداد الدين من ممتلكات الميت، وذلك لعدم الحصول عليها، فقد كان المدين معسرًا، ومن تحمل عن الميت المعسر دينه فيجوز له الرجوع بدينه، ما دام يعلم أن للميت مالًا،  قال البراذعي رحمه الله: “وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَتَبَرَّعَ رَجُلٌ فَضَمِنَ دَيْنَهُ فَذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ رَجَعَ فِيهِ بِمَا أَدَّى إنْ قَالَ إنَّمَا أَدَّيْت لِأَرْجِعَ فِي مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَالضَّامِنُ عَالِمٌ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِي مَالٍ إنْ ثَابَ لِلْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْحِسْبَةِ” [تهذيب المدونة: 3/629].

فالواجب على الورثة ردُّ الدين الذي سدده الضامنُ بالعملة التي سددَ بها وهو التسعون ألف دولار، دون زيادة أو نقصان، ففي المدونة: “قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَجُلٍ أَقْرِضْنِي دِينَارًا دَرَاهِمَ أَوْ نِصْفَ دِينَارٍ دَرَاهِمَ أَوْ ثُلُثَ دِينَارٍ دَرَاهِمَ فَأَعْطَاهُ الدَّرَاهِمَ، مَا الَّذِي يَقْضِيه فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: يَقْضِيه مِثْلَ دَرَاهِمِهِ الَّتِي أَخَذَ مِنْهُ رَخُصَتْ أَمْ غَلَتْ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا مِثْلُ الَّذِي أَخَذَ مِنْهُ” [المدونة الكبرى:3/51]. وللورثة ردُّ قيمة العملة التي سدد بها الضامنُ بأيِّ عملة أخرى، بشرط أن يقبضه في المجلس الذي اتفقوا فيه على تلك القيمةِ دونَ تأخير، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد بن ميلاد قدور

حسن بن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

29//شوال//1446هـ

28//04//2025م   

 

 

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق