طلب فتوى
التبرعاتالفتاوىالمعاملاتالمواريث والوصاياالهبة

شرط الهبة الحيازة في حياة الواهب

هبة باطلة شرعا

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (3818)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

توفي والدي قبل جدّي وجدتي، فكان لكل واحد منهما سدسُ التركة فرضًا، فقام جدّي وجدّتي بهبةِ كلِّ حصتهم مِن التركة لأحدِ أبناء المتوفّى، وكان ضمنَ التركةِ عقارات استولي عليها بقانون رقم: (4)، لم تعوض أو يحكم بالعوض فيها، فما حكم الهبة؟ علما بأن الابن الموهوبَ له لم يحزْ شيئًا من الهبة في حياة الواهب، ومنها العقارات المستولى عليها بالقانون المذكور.

الجواب:

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أمّا بعد:

فإنّ شرطَ الهبةِ لتكونَ نافذةً أن يحوزَ الموهوبُ له الهبةَ قبل حصولِ مانعٍ للواهب، كالموت مثلًا؛ فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: “إِنَّ أَبَا بَكْر الصِّدِّيق كَانَ نَحَلَهَا جَادّ عِشْرِينَ وَسَقًا مِنْ مَالِهِ بَالغَابَةِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: وَاللهِ يَا بُنَيَّةُ مَا مِنَ النّاسِ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ غِنًى بَعْدِي مِنْكِ، وَلَا أَعَزَّ عَلَيَّ فَقْرًا بَعْدِي مِنْكِ، وَإِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جَادَ عِشْرِينَ وَسَقًا، فَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِيهِ وَاحْتَزْتِيهِ كَانَ لَكِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ وَارِثٍ، وَإِنَّمَا هُمَا أَخَوَاكِ وَأُخْتَاكِ، فَاقْتَسِمُوهُ عَلَى كِتَابِ اللهِ) [الموطأ: 2202]، ولا يكفي مجرد التّسجيل عند محرّر العقود، كي تتحقّق الحيازة الشّرعية، التي ينتقل بها الملك، قال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله: “وَلَا تَتِمُّ هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا حُبُسٌ إِلاَّ بِالْحِيَازَةِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تُحَازَ فَهِيَ مِيرَاثٌ” [الرسالة:117]، والحيازة كما قال أبو الحسن المنوفي رحمه الله: “هِيَ وَضْعُ اليَدِ، وَالتَّصَرُّفُ فِي الشَّيْءِ الْمَحُوزِ كَتَصَرُّفِ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ؛ بِالْبِنَاءِ، وَالْغَرْسِ، وَالْهَدْمِ، وَغَيْرِهِ مِنْ وُجُوهِ التَّصَرُّفِ” [كفاية الطالب الرباني: 2/482[، وأما العقارات المغصوبة بقانون رقم (4)، فلا تنفذ الهبة فيها كذلك؛ لأنّ الغاصب لم يحزِ العقار للموهوب له، قال الشيخ الدردير رحمه الله: “(لَا) يَصِحُّ حَوْزُ (غَاصِبٍ) لِشَيْءٍ وَهَبَهُ مَالِكُهُ لِغَيْرِهِ، عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، قَالَ مَالِكٌ: لِأَنَّ الْغَاصِبَ لَمْ يَقْبِضْهُ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَلَا أَمَرَهُ الْوَاهِبُ بِذَلِكَ” [الشرح الكبير:4/105].

عليه؛ فإن كان الواقع ما ذكر في السؤال، فإنّ هذه الهبة غيرُ نافذة شرعًا، سواء في العقارات أو غيرها مما لم يُحز عن الواهب، وترجع هذه الهبة ميراثًا لجميع الورثة الأحياء يوم وفاة كلِّ واهب منهما، ويقسم عليهم حسب الفريضة الشرعية، والله أعلم.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم

                                    

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد ميلاد قدور

حسن سالم الشّريف

 

الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

26/جمادى الآخرة/1440هـ

03/03/2019م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق