شرط صحة الوقف الحيازة في حياة الواقف
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5759)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
وقَّف جدّي أرضًا له، ونواها عن الشيخ عبد السلام الأسمر، إلا أنه لم يُخلِها، ولم يُسَلِّمْها إلى جهة، وظلّتْ على حالها تحت يده حتى توفي رحمه الله، ويرغب الورثة الآن في بيع الأرض، والإسهام بثمنها في بناء مسجد في المنطقة، فما هو الحكم الشرعي في ذلك؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّ مَن وقف شيئًا -عقارًا أو غيره- لا يتمّ وقفُه إلا إذا انتقلَ منه وأخلاه، ورفع يده عنه، قبل حصولِ مانعٍ من موانع الوقف، من فلس، أو موت، أو مرضٍ مخوفٍ متصل بالموت؛ لأن الحوزَ شرطٌ في تمام الوقف، قال الصاوي رحمه الله: “وَبَطَلَ الْوَقْفُ… (أَوْ لَمْ يُخْلِ) أَيْ: لَمْ يَتْرُكِ الْوَاقِفُ (بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ كَمَسْجِدٍ) وَرِبَاطٍ وَمَدْرَسَةٍ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْمَانِعِ؛ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ، وَيَكُونُ مِيرَاثاً، فَإِنْ أَخْلَى قَبْلَ الْمَانِعِ صَحَّ لِأَنَّ الِإِخْلَاءَ الْمَذْكُورَ حَوْزٌ حُكْمِيٌّ” [الشرح الصغير: 2/304].
فمن وقف شيئًا في صحتهِ، ولم يحصلْ حوزٌ عنه بخروجه من يده، حتى حصل له مانع من الموانع الثلاثةِ المذكورة؛ فقد بطلَ وقفه، قال الدردير رحمه الله: “وَأَشَارَ إلَى بَيَانِ الْمَانِعِ وَأَنَّهُ أَحَدُ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ بِقَوْلِهِ (قَبْلَ فَلَسِهِ)… (وَمَوْتِهِ وَمَرَضِهِ) الْمُتَّصِلِ بِالْمَوْتِ” [الشرح الكبير: 4/81].
وعليه؛ فإن كان الحال كما ذكر، من أن الأرض لم تخرجْ عن حوز الجدّ الواقف حتى توفي؛ فالوقف باطل، وترجع الأرض ميراثًا، يشترك في استحقاقها جميع الورثة، ويقتسمونها حسب الفريضة الشرعية، وإذا أرادوا بيعَها وإنفاقَ ثمنها في وجوه البر؛ فلهم ذلك، وهو تطوع منهم.
وهناك أوجُهٌ أخرى من الإنفاق، مُلِحَّةٌ ومُقَدَّمَةٌ في الوقت الحاضر على بناء المساجد، من ذلك إغاثةُ المستضعفين والفقراء، في بلاد المسلمين المنكوبة، في فلسطين وغيرها، وكذلك إنفاق المال على بناء المعاهد الشرعية وتأهيل العلماء في بلادنا ونحو ذلك، فهذا ونحوه؛ الناسُ بأمسِّ الحاجة إليه، والمساجدُ بها وَفرةٌ في الوقت الحاضر والحمد لله، والأجرُ في الإنفاق يَعْظُمُ بقدر الحاجة إليه، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
01//ربيع الأول//1446هـ
04//09//2024م