بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4511)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
نحن ثلاثةُ أشخاص، نرغبُ في الاشتراك في مشروع، أحدُنا منه الأرض، والثاني منه العمل، والثالث منه المال (شراء البذور، وتأجير الآلات وغير ذلك)، وسنقتسم الربح بيننا بالتساوي، لكل واحد الثلث، فما حكم المشاركة بهذه الصورة؟ وإن كانت ممنوعةً فنأمل إعلامنا بالصورة الصحيحة.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن العقد على الصورة المذكورة يعدّ من قبيل المزارعة، ويشترط لصحتها عند المالكية أن تسْلمَ مِن كراء الأرض بما يخرج منها؛ لما جاء في حديث رافع بن خديج رضي الله عنه: (نَهَانَا أَنْ نُحَاقِلَ بِالْأَرْضِ فَنُكْرِيَهَا عَلَى الثُّلُثِ وَالرُّبُعِ، وَالطَّعَامِ الْمُسَمَّى) [مسلم: 1548]، فلا يجوز أن تكون من أحد الشركاء الأرض، ويكون من الآخرين العملُ والبذر؛ لمقابلة جزء من الأرض للبذر، وأكمل وجوه المزارعة الجائزة أن يتساوى الشركاء في كلّ شيء، بأن يكون البذر منهم ويقتسمون العمل ومن لا يقدر على العمل يقدّر ما ينوبه منه بالأجرة يدفعها للآخر، ويقتسمون قيمة الأرض ولو بالكراء، والربح بينهم بالتساوي، لما في ذلك مِن العدل، ولتصحيح الصورة الواردة في السؤال فعلى صاحب الأرض أن يدفع ثلث قيمة البذور، حتى لا تتقابل الأرض بالبذر، قال المواق: “وَاَلَّذِي نَقَلَ أَهْلُ كُتُبِ الْأَحْكَامِ أَيْ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ أَنَّ الْمُتَزَارِعَيْنِ إذَا سَلِمَا مِنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَلَا بَأْسَ بِالتَّفَاضُلِ مِمَّنْ كَانَ، وَشَرِكَتُهُمَا جَائِزَةٌ إذَا اعْتَدَلَا فِي الزَّرِيعَةِ وَإِنْ لَمْ يُقَوِّمَا الْعَمَلَ وَلَا عَرَفَا كِرَاءَ الْأَرْضِ وَهُوَ قَوْلُ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ” [التاج والإكليل: 7/153]، وقال التسولي رحمه الله: “وَظَاهره -أي كلام الناظم- الْجَوَاز، وَلَو كَانَت قيمَة الْعَمَل لَا تعادل قيمَة كِرَاء الأَرْض وَبِالْعَكْسِ، وَهُوَ كَذَلِك على القَوْل الَّذِي لَا يشْتَرط السَّلامَة من التَّفَاوُت فِي الْمُزَارعَة، وَعَلِيهِ فَتجوز وَلَو لم يقوِّما الْعَمَل وَلَا عرفا كِرَاء الأَرْض وَهُوَ قَول عِيسَى بن دِينَار، وَعَلِيهِ الْعَمَل كَمَا فِي الْمُفِيد والجزائري وَابْن مغيث وتبعهم النَّاظِم فَقَالَ: (وَالْعَمَل الْيَوْم بِهِ) أَي بِهَذَا القَوْل الَّذِي لَا يشْتَرط السَّلامَة من التَّفَاوُت (فِي) جَزِيرَة (الأندلس) بل وَكَذَلِكَ فِي مغربنا الْيَوْم لِأَن عَملنَا تَابع لعملهم” [البهجة: 2/335]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عصام بن علي الخمري
عبد الدائم بن سليم الشوماني
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
12//شوال//1442هـ
24//05//2021م