طلب فتوى
الأسئلة الشائعةالبيعالفتاوىالمعاملاتقضايا معاصرة

شروط جواز سحب الدولار داخل السوق المحلي من ماكينات (P.O.S)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5587)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

سبق أن صَدَرَت عنكم فتوى برقم (4290)، تقضي بمنع سحب مخصَّصات النقد الأجنبي داخل السوق المحلي، عبر نقاط البيع المحلية (P.O.S) الموجودة داخل محلَّات بيع العملة، وبحكم عملنا في أحد المصارف التجارية، ومتابعتنا المستمرَّة لما يصدر عن مصرف ليبيا المركزي مِن ضوابطَ وتعميماتٍ بهذا الشأن، وانطلاقًا من حرصنا على التخفيف على المواطنين، وتسهيل حصولهم على مخصَّصاتهم من النقد الأجنبي، بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، نحيطكم علمًا أنَّه قد استجدَّت بعضُ الأمور، التي قد تكون مؤثِّرةً في حكم هذه المعاملة، أحدها: إصدارُ مصرفِ ليبيا المركزي – في منشورٍ له برقم إشاري (إ ر م ن/ 804) – تعليماتِه لمديري المصارف العاملة في البلاد، بقَبول إجراء عمليات على نقاط البيع (P.O.S) المملوكةِ لهم، من خلال البطاقات الصادرةِ عنهم؛ المحلية منها والأجنبية، والآخَرُ: وجودُ خاصيَّةٍ في هذه الآلات تسمَّى (CASH ADVANCED)، وهي خاصيَّةٌ تسمح لحامل البطاقة باستخدامها للحصول على النقد في يده، مقابلَ خصم القيمة من رصيده الذي في البطاقة، وهو أمرٌ معهودٌ ومتاحٌ في العديد من دول العالم، وبحسب منشور المركزي المشارِ إليه؛ فإنَّه يُعَدُّ الآن إجراءً قانونيًّا، علمًا أنّ مَن سيقوم بالربط بين المصارف والشركات المحلية والخارجية، هي شركة (معاملات) الحكومية، والتي تخضع لتعليمات وتشريعات مصرف ليبا المركزي، فهل يجوز – بناءً على ما تقدَّم – سحبُ النقد الأجنبي الموجود بالبطاقة بواسطة نقاط البيع (P.O.S)؟ مع العلم أنَّ في هذا الإجراء نفعًا للاقتصاد المحلي بشكل عام، من حيث دورانُ النقد من العملة الأجنبيَّة داخل البلاد، ونفعًا للمواطنين، من حيث تقليلُ نسبة الخصومات التي تُفرَض عليهم عند سحبهم للبطاقة من خارج البلد، كما نحيطكم علمًا أنه توجد مادَّةٌ في عقدٍ خاصٍّ بنقاط البيع بأحد المصارف، تنصُّ على عدم تقديم النقد لصاحب البطاقة؛ خوفًا من الوقوع في معاملة ربوية، ويمكن تعديل هذه المادَّة إذا كانت هذه المعاملة لا تشوبُها محاذيرُ شرعيَّةٌ.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد: فينبغي أوّلًا أن يُجاب عن حكم موظّفِ المصرف الذي يعمل بقرارِ فرض الضريبة على العملة الأجنبية ويساعدُ على تنفيذه، فإنَّ الواجب على المسلم ألَّا يُقدِم على عملٍ حتى يعلم حُكمَ الله فيه، قال القرافي رحمه الله: “كُلُّ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا أَوْ قَالَ قَوْلًا أَوْ تَصَرَّفَ تَصَرُّفًا مِنَ الْمُعَامَلَاتِ أَوْ غَيْرِهَا لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ الله تَعَالَى فِي ذَلِك” [الذخيرة: 6/28].

والضرائب نوعان؛ ضرائبُ خدمية تؤخذ نظير خدمة تُقدَّمُ للناس، وهذه لا حرج فيها، وضرائبُ تؤخَذ من الناس من غير مقابل، وحكم أخذها في الأحوال الاعتيادية التحريم؛ لأنها من أكل أموال الناس بالباطل، قال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن ‌تَرَاضٖ مِّنكُمۡۚ) [النساء: 29].

والضريبة التي فُرِضَتْ على المواطنين ممَّن أراد شراء العملة عن طريق البطاقة هي من النوع الثاني، وهي الْمَكْسُ الذي ورد تشديدُ الوعيد على صاحبه، قال القرطبي رحمه الله معَلِّقًا على قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً، لَوْ تَابَهَا ‌صَاحِبُ ‌مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ) [مسلم: 1695]، قال: “صَاحِبُ الْمَكْسِ: هُوَ الَّذِي يَأْخُذُ مِنَ النَّاسِ مَا لَا يَلْزَمُهُمْ شَرْعًا مِنَ الْوَظَائِفِ الْمَالِيَّةِ بِالْقَهْرِ وَالْجَبْرِ، وَلَا َشَّك فِي أَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الذُّنُوبِ، وَأَكْبَرِهَا، وَأَفْحَشِهَا؛ فَإِنَّهُ غَصْبٌ، وَظُلْمٌ، وَعَسْفٌ عَلَى النَّاسِ، وَإِشَاعَةٌ لِلْمُنْكَرِ، وَعَمَلٌ بِهِ، وَدَوَامٌ عَلَيْهِ” [المفهم: 5/99].

فلا يجوز فرضُ هذه الضرائب، ولا يجوز للموظف الذي يعمل بالمصرف أن يقوم بتميم إجراء أيِّ عمليَّةٍ مصرفيَّةٍ يُؤخَذ فيها هذا المكسُ، ولا يُعفِيه من المسؤوليَّة أن يتحجَّج بأنَّه يُنَفِّذُ ما أُمِر به؛ لأنَّ الطاعةَ لا تكون إلَّا في المعروف؛ فلا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الله.

أمَّا فيما يتعلَّقُ بما استجدَّ من الأمور بشأن سحب الدولار داخل السوق المحلي؛ فإن كان الحالُ ما ذُكِر في السؤال، من أنَّ الـمصرف الـمركزي قد أذِنَ للمصارف بقَبول البطاقات الدولية على نقاط البيع المحلّية (P.O.S) المملوكة لهم، وأنّ بهذه الآلات خاصيَّةً تُمَكِّن حاملَ البطاقة من سحب النقد عبر نافذةٍ خاصَّةٍ بذلك، من غير إيهامٍ بأنّ ثَمَّتَ عملية شراءٍ قد حصلتْ، فإنَّ هذه المعاملة تكون جائزةً بالضوابط الآتية:

1- ألاَّ يكون في سحبِ العملات النقديَّة عن طريق هذه الآلات مخالفةٌ للعقدِ المبرمِ بين ممارسي النشاطاتِ التجاريَّة وبين المصرف.

2- أن تتمَّ هذه المعاملةُ عبر الآلات المرخَّصة من المصارف، والمخصَّصة لذلك.

3- أن يكون استيفاءُ الدولارات عن طريق هذه الآلات يدًا بيدٍ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، وإذا ترتَّبت على هذه المعاملة خصوماتٌ لصالح الشركة المشغِّلة لهذه الآلات، فإنَّها تُحمل على الأجرة.

وإذا كان المأخوذ من النقد مغايرًا للنقد الذي في الحساب، فيكون العقدُ عقدَ صرف؛ ويُشترَطُ حينئذٍ لصحَّة هذه المعاملة التقابضُ في مجلس العقد.

4- ألاَّ يَلْزَمَ على هذه المعاملة إقراضٌ لصاحب البطاقة، وذلك إذا كان المبلغُ كبيرًا؛ فلا يجوز أن يُعطَى صاحبُ البطاقة كاملَ القيمة مُقَدَّمًا، على أن تُسحَبَ فيما بعدُ؛ لأنَّ القاعدةَ تَنُصُّ على أنّ (مَن عَجَّلَ مَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ عُدَّ مُسَلِّفًا) وهو سلفٌ جرَّ نفعًا، وكلُّ قرضٍ جرَّ نفعًا فهو ربا، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

حسن بن سالم الشريف

عبد العالي بن امحمد الجمل

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

07/ شوال/ 1445 هـ

16/ 04/ 2024م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق