بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4319)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
عمل أخي في تجارة الدولار، وكان يستدين الأموال من الناس، فمنهم من يشترط عليه أنْ يردّها له بزيادة، ومنهم مَن لا يشترط، ثم تعرضَ لخسارةٍ كبيرةٍ نتيجةَ التغير المفاجئ لسعرِ الصرف، فأصبحَ مدينًا بمبالغ كبيرة تقدر بالملايين مِن الدينارات، وخسرَ رأس ماله والأموالَ التي استدانها ليتاجرَ بها، وباع جميعَ ممتلكاته لسدادِ الدين، غير أنّ ثمنها لم يكفِ لسداد الديون، وبقي على هذه الحالِ مدة شهرين، والدائنونَ يتواصلونَ معه بشكلٍ طبيعي، ثم تعرض لعملية خطفٍ منذ شهرين تقريبًا، فهل يعتبر مِن الغارمين المستحقينَ للزكاة؟
الجواب:
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسولِ الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فاشتراطُ الزيادة على قدرِ المبلغ المستدان محرَّمٌ شرعًا؛ لأنه قرضٌ، ولا يجوز في القرض اشتراطُ الزيادة قدرًا أو صفةً؛ لأنها تؤدّي إلى السلفِ بمنفعة، وهو مِن الربا المحرم؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالفِضَّةُ بِالفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَمَن زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى، الآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ) [مسلم: 1548]، وقال القرافي رحمه الله عند حديثه عن شرط القرض: “وَفِي الْجَوَاهِرِ: شَرْطُهُ أَنْ لاَ يَجُرَّ مَنْفَعَةً لِلْمُقْرِضِ فَإِنْ شَرَطَ زِيَادَةً قَدْرًا أَوْ صِفَةً فَسَدَ” [الذخيرة: 5/289]، ومن ترتبَ عليه دينٌ في معصيةٍ فلا يجوزُ له أخذُ الزكاة، إلا إذا تابَ وصدقتْ توبتُهُ.
وعليه؛ فإذا تابَ أخوكَ وصدقتْ توبتُهُ، وتركَ هذه المعاملةَ وندمَ عليها، فإنه يجوزُ إعطاؤهُ الزكاةَ لتسديدِ الدَّين الشرعيّ، وهو قيمةُ الدّين الأصلي دونَ الفوائد، وذلك بعد بيعِ كلّ ما يملكهُ من عقارٍ ونحوه، زائد عن حاجتهِ الضرورية، في المسكنِ والقوت، ولم يَكفِ لسدادِ الدّين، قال القرطبي رحمه الله: “قوله تعالى: (وَالْغَارِمِينَ) هُمُ الَّذِينَ رَكِبَهُمُ الدَّيْنُ وَلاَ وَفَاءَ عِندَهُمْ بِهِ، وَلاَ خِلَافَ فِيهِ، الَّلهُمَّ إِلاَّ مَنْ أَدَانَ فِي سَفَاهَةٍ، فَإِنَّهُ لاَ يُعْطَى مِنْهَا، وَلاَ مِنْ غَيْرِهَا، إِلاَّ أَنْ يَتُوبَ”[تفسير القرطبي: 8/183]، وقال اللخمي رحمه الله -عند ذكره لمصرف الغارمين- ما نصه: “وَالْغَارِمُ: مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الزَّكَاةِ مَا يَقْضِيهِ مِنْهُ، وَذَلِكَ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ: أَنْ لاَ يَكُونَ عِندَهُ مَا يَقْضِي مِنْهُ دَيْنَهُ، وَالدَّيْنُ لِآدِمِيٍّ، وَمِمَّا يُحْبَسُ فِيهِ، وَلاَ تَكُونُ تِلْكَ الْمُدَايَنَةُ فِي فَسَادٍ” [التبصرة: 978/3]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
عبد الدائم بن سليم الشوماني
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
28//ربيع الآخر//1442هـ
13//12//2020م