طلب فتوى
الفتاوىقضايا معاصرة

صندوق الخدمات العمالية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

 

السيد/ رئيس اللجنة التسيِيرية بالشركة الليبية للمقاولات والاستثمار العقاري.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تحية طيبة، وبعد:

         فبالإشارة لمراسلتكم ذات الرقم الإشاري (13/71ـ0) بشأن أن الشركة بصدد تفعيل العمل بصندوق الخدمات العمالية، ويقصد به تقديم الإعانات للموظفين، لأغراض اجتماعية متعددة، كالزواج والوفاة والعلاج، وغيرها، على أن يكون المورد الأساسي للصندوق هو ما يتم خصمه من مرتبات الموظفين نظير الغياب، ودفع اشتراك شهري بقيمة خمسة وعشرين (25) دينارا، أو أكثر، تودع في حساب خاص بالصندوق، وتحت إشراف لجنة يتم اختيارها من قِبَلِ موظفي الشركة، وسيتم منح الإعانات وفق تاريخ شهادة الوفاة، الأقدم فالأقدم، والطلبات الأول فالأول، حسب تاريخ التقديم، وبيان الحكم الشرعي لذلك.  

فالجواب:

           الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

           أما بعد:

          فما جاء في نظام تأسيس هذا الصندوق، في الجزء المتعلق بما يتم خصمه من مرتبات الموظفين نظير الغياب، فيظهر أن هذا المال من المرتبات نظير الغياب هو باق على ملكية الدولة، وعليه؛ فليس للشركة حقّ في التصرف فيه إلا بإذن خاص، وأما دفع اشتراك شهري بقيمة خمسة وعشرين (25) دينارا، أو أكثر، ويصرف عونا على تزويج العزب، وعلاج المريض، فهذا أمر مشروع محمود من التعاون على البر والتقوى، قال الله تعالى: )وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ( [المائدة:2]، وقال صلى الله عليه وسلم: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) [مسلم:2699]، ومن يدفع خمسة وعشرين دينارا كل شهر إلى هذا الصندوق طواعية منه، لا يدفعها ليغامر بها رغبة في كسب مال الآخرين، وإنما يفعل ذلك ليعين نفسه ويعين غيره، عندما تنزل به أو بهم نازلة لا يقدرون على دفعها حتى يدفعوها متعاونين؛ يكون مأجورا ـ إن شاء الله ـ فقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم الأشعريين، فقال عنهم: (إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو، أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد، ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية، فهم مني وأنا منهم) [البخاري:2486/، مسلم:2500]، فمال الأشعريين قد يصيب فيه أحدهم أكثر مما يصيب غيره، ومال الصندوق كذلك؛ قد يصيب فيه أحد من المشاركين أكثر مما يصيب غيره، فليس فيه غرر ولا غبن، كما لم يكن في ثوب طعام الأشعريين غرر ولا غبن، وقد نص علماؤنا رحمهم الله على أن الغرر المضر هو ما كان في المعاملات المبنية على المعاوضة والمماكسة، لا في عقود التبرعات التي منها الصناديق التكافلية، قال القرافي رحمه الله: “الفرق الرابع والعشرون بين قاعدة ما تؤثر فيه الجهالات والغرر، وقاعدة ما لا يؤثر فيه ذلك من التصرفات … ومنهم من فصل – وهو مالك – بين قاعدة ما يجتنب فيه الغرر والجهالة، وهو باب المماكسات والتصرفات الموجبة لتنمية الأموال، وما يقصد به تحصيلها، وقاعدة ما لا يجتنب فيه الغرر والجهالة، وهو ما لا يقصد لذلك…، وثانيهما ما هو إحسان صرف لا يقصد به تنمية المال؛ كالصدقة والهبة والإبراء، فإن هذه التصرفات لا يقصد بها تنمية المال، بل إن فاتت على من أحسن إليه بها لا ضرر عليه ـ أي بفواتها؛ لأنه يبذل شيئا نظير ما فاته ـ بخلاف القسم الأول إذا فات بالغرر والجهالات ضاع المال المبذول في مقابلته، فاقتضت حكمة الشرع منع الجهالة فيه” [الفروق:137/2]، والذي ينبغي التنبه إليه فيما يتعلق بصندوق التكافل هو المصارف التي يصرف فيها مال الصندوق، بأن تكون كلها مصارف مشروعة، وليس فيها إعانة على إنفاق غير مشروع، كدفع المال لمن يموت له أحد قرابته؛ ليعينوه على شراء الذبائح وإطعام الطعام، فإن طعام الميت منهي عنه؛ لما جاء في حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: (كنا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة) [ابن ماجه:1612]، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

                                                                                         مفتي عام ليبيا

27/جمادى الأولى/1434هـ

2013/4/8

 

 

 

 

 

 

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق