طلب فتوى
الفتاوىالمسابقةالمعاملات

صور المسابقات الجائزة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5802)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

عُرِضت عليّ المشاركةُ في بطولة للفروسية، وفي السابق كانت الدولة هي مَن تدعم مثل هذه النشاطات، فتقدم الجوائز للفائزين بدون أن يدفع المشاركون شيئًا، أما الآن فيشترط المنظِّمون لهذه المسابقات -وهم في الغالب مواطنون ليست لهم أي صفة رسمية- على المشاركين دفعَ مبالغَ ماليّةٍ، وتقدَّم جوائز الفائزين من مجموع هذه الرسوم، مع العلم أنّ ما يُجمَع يفُوقُ قيمةَ الجائزة والمصروفات الفعلية للمسابقة، فهل يجوز المشاركة في مثل هذه المسابقات والحال ما ذُكر؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإنَّ المسابقاتِ النافعةَ التي لا يُشرَط فيها دفع اشتراك ولا جوائز جائزةٌ، لا حرج فيها، فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل وبين الإبل، ولكن إذا كانت بالعوض والرهان -وهو دفع اشتراك أو جوائز- فإنها لا تجوز، إلا فيما يستعان به على الحرب والجهاد في سبيل الله؛ كالسباق على الخيل والإبل، والرمي بالسهام ونحوها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (‌لَا ‌سَبَقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ، أَوْ خُفٍّ، أَوْ حَافِرٍ) [الترمذي: 1700]، قال ابن الأثير رحمه الله: “السَّبَقُ بِفَتْحِ الْبَاءِ: مَا يُجْعل مِنَ المَال رَهْنا عَلَى الْمُسَابَقَةِ” [النهاية في غريب الحديث: 2/338].

وللمسابقة بمقابل ثلاث صور:

الأولى: أن يكون دافع المال ليس أحد المتسابقين، سواء أكان الحاكم أو غيره، وهي جائزة بالإجماع.

الثانية: أن يدفع أحدهما ولا يدفع الآخر، فمن فاز منهما أخذ المدفوع، وهذه جائزة عند أكثر الفقهاء.

الثالثة: أن يدفعَ كلُّ المتسابقين ويأخذها بعضُهم، وهذه محرَّمةٌ عند عامة الفقهاء، قال ابن رشد رحمه الله: “وَأَمَّا الوَجْهُ الَّذِي لاَ يَجُوزُ بِاتّفَاقٍ، فَهْوَ أَنْ يُخْرِجَ… كُلّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَسَابقينِ إنْ كَانُوا جَمَاعَةً، جُعْلًا، عَلَى أنّهُ مَنْ سَبَقَ مِنْهُمْ أَحْرَزَ جُعْلَه… وَأَخَذَ أَجْعَالَ أَصْحَابِهِ إِنْ كَانُوا جَمَاعَةً، فَهَذَا لاَ يَجُوزُ بِإِجْمَاع؛ لأَنَّه مِنَ الغَرَرَ، وَالقِمَارِ، وَالمَيْسِرِ، وَالخطَرِ المحرَّمِ فِي القُرْآنِ” [البيان والتحصيل: 18/265]، إلا أن يُدخلوا بينهم محلّلا، وهو أن يُعفَى متسابقٌ أو أكثر من الدفع، بشرط إمكانِ فوزه بالسباق، فتجوز حينئذ على قول سعيد بن المسيب، ولا يجوز أن يكون المعفَى من الدفع متسابقًا ضعيفًا، يغلب على الظن عدم فوزه.

ونَصَّ فقهاؤنا على أن المسابقة في غير هذه الثلاثة المذكورة لا تجوز إلا مجانًا، وأنْ يكون القصد منها الاستعانة على الجهاد والنكاية بالعدوّ، لا مجرد المغالبة واللهو، قال الدسوقيُّ رحمه الله: “وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُسَابَقَةَ بِغَيْرِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ جَائِزَةٌ بِشَرْطَيْنِ أَنْ يَكُونَ مَجَّانًا، وَأَنْ يَقْصِدَ بِهَا الِانْتِفَاعَ فِي نِكَايَةِ الْعَدُوِّ” [حاشيته على الشرح الكبير: 2/210].

وعليه؛ فالصورة المسؤول عنها مِن القمار المحرم، لا تجوز المشاركة فيها؛ لأنَّ الداخل فيها إما أن يضيع عليه ما دفعه إذا خسر، وإما أن يربح ما دفعه غيُره من المتسابقين إذا فاز، فيكون بين الغرم والغنم، وهذه هي حقيقة القمار، وأما الصورة الأولى التي كانت تنظمها الدولة، وليس فيها دفع مال من المشاركين؛ فإنها جائزة، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد بن ميلاد قدور

حسن بن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

03//ربيع الآخر//1446هـ

06//10//2024م 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق