ضوابط عمل المرأة طبيبةً
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2707)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
زوجتي طبيبة أطفالٍ في مستشفى عام، ومزاولة هذه المهنة تؤدي إلى الاختلاط ببعض الرجال؛ كالأطباءِ وأولياء أمور المرضى والمراجعينَ ونحوهم، وللحدّ من هذا الاختلاط أمرتُها أن تكتفيَ بالتعاملِ مع أمهات الأطفالِ دونَ الآباء، وأن تغضَّ بصرَها عن الرجال في الممراتِ والاجتماعاتِ والتجمعاتِ المفروضة على الجميع، معَ الوقوفِ والجلوسِ على بعدِ مسافةٍ مِن الرجال، وعدمِ إقفالِ باب غرفة الكشفِ في حالِ وجودِ رجلٍ بالداخل، ولو كان هناكَ ممرضةٌ أو طبيبةٌ أخرى، وأن لا تجالسَ الأطباءَ من غير ضرورةٍ، فهل يجوز لها العمل مع هذه الضوابطِ، أم لا؟ أمْ أنّ العمل جائزٌ دون الحاجة إلى هذه الاحترازات؟ علمًا بأن أغلبَ الموظفين في قسمِ الأطفالِ نساء.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن الاختلاط المتكررَ المتواصل، غيرَ العارض، على النحو الموجودِ عند الناسِ اليوم، في الجامعات والمدارس والمستشفيات، والمؤسسات الأخرى في الدولة، هو مِن الاختلاطِ المحرم؛ لما فيه مِن التعرضِ للفتنةِ، ولأنّه يتعذرُ معه غضُّ البصرِ، المأمورُ به شرعًا، في قوله تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ [النور:30]، ولهذا لمّا رأتْ عائشة رضي الله عنها تغيّر أحوالِ النساءِ بعد رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، قالت: (لو رأَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ما أحدثَ النساء بعدَه لمنعهنَّ المساجد) [الموطأ:468]، هذا في زمن عائشة رضي الله عنها، فما بالكَ بالناس اليوم!!
ويجوز للمرأة أن تخرج للعمل، عند الحاجة، بشرطِ التقيد باللباسِ الشرعي، وعدمِ التطيب، وعدمِ الاختلاط بالرجال، أو الخلوة بهم.
ويجبُ على الزوجة طاعة زوجها فيما أمرها به، ما لم يأمر بمعصية؛ لأن ذلك من لوازم القوامة، التي جعلها الله للرجلِ على امرأته؛ قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) [النساء:34]، وقال أبو حيان في تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ) [النساء:59]: “الظاهر أنه كل من وليَ أمرَ شيءٍ ولايةً صحيحةً، قالوا: حتى المرأة يجب عليها طاعةُ زوجها، والعبد مع سيده، والولد مع والديه، واليتيم مع وصيه، فيما يرضي الله، وله فيه مصلحة” [البحر المحيط:686/3]، وقال أبو العباس القرطبي رحمه الله في كتابه المفهم في شرح حديث: (إنما الطاعة في المعروف): “يعنى بالمعروف هنا: ما ليس بمنكرٍ ولا معصية، فتدخل فيه الطاعات الواجبة والمندوب إليها، والأمور الجائزة شرعًا، فلو أمر بجائزٍ لصارت طاعته فيه واجبة، ولما حَلَّتْ مخالفتُه”.
وعليه؛ فإذا تقيدت زوجتك بالضوابط الشرعية، وبما أمرتها به قدرَ المستطاع، فلا حرج عليها، مع الاحتراز من الصبي المقارب للاحتلام؛ كبلوغ الثانية عشر أو نحو ذلك، فحكمه بالنسبة للنظر للأجنبية عنه كالبالغ؛ لأن ما قارب الشيء يُعطى حكمه، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
محمد علي عبد القادر
غيث بن محمود الفاخري
نائب مفتي عام ليبيا
13/صفر/1437هـ
25/نوفمبر/2015م