بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5317)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
نعتزمُ نحن بلدية طرابلس المركز تنظيف مقبرةِ الصحابيّ الجليل (سيدي منيذر)؛ لكثرةِ ما وردَنا من شكاوَى، بوجودِ هوامّ داخل الحشائشِ والأشجارِ بالمقبرة، ونرجُو منكم إفادتنا بالحكم الشرعيِّ فيما يلي:
- ثمة قبور قديمة مهجورة تهدّمت بفعل الزمن، هلْ نعيدُ بناءها، أم نسوّي ما بقي من آثارها بالأرض، لتُدفَن فيها قبورٌ جديدةٌ؟
- إذا وجدْنا أثناء عملية التنظيفِ رفاتًا وعظامًا بشريةً، فكيف نفعل بها؟
- هل يجوزُ استعمالُ العمالة غير المسلمةِ لتنفيذِ مثل هذه الأعمال؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن البناء على القبور منهي عنه، ولا يجوز إعادة ما تهدم منه، وينظر في القبر إن كان قد بقي من عظامه شيء فيجب احترام القبر، ولا يجوز الدفن فيه؛ لأن القبر حبس على صاحبه، قال الشبراخيتي رحمه الله: “وَالْقَبْرُ حُبُسٌ عَلَى مَنْ دُفِنَ بِهِ” [لوامع الدرر: 3/194].
فإذا فنيت عظام الميت ولم يبق في القبر شيء جاز أن يدفن فيه، قال الدردير رحمه الله: “إِذَا عُلِمَ أَنَّ الْأَرْضَ أَكَلَتْهُ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ عِظَامٍ فَإِنَّهُ يُنْبَشُ، لَكِنْ لِلدّفْنِ” [شرح أقرب المسالك: 1/578].
أمَّا بقايا العظام المتناثرة في المقابر، فالواجبُ دفنُها وحفظُها عن الأذَى؛ لأنّ امتهانَ جسدِ الميتِ وبقايا عظامه حرامٌ؛ إذ له من الحرمةِ ما للحيِّ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كَسْرُ عَظْمِ الْمَيتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا) [ابن حبان: 3167].
وأما استخدام العمالة من غير المسلمين في التنظيف والإصلاح؛ فلا بأس به، بشرط ألَّا يوكل لهم أمرُ دفنِ رفاتِ المسلمين؛ إذ لا يجوزُ للكافر أن يباشرَ دفنَ المسلم ولا تغسيلَه، ولكن لا مانع شرعًا من دخوله مقابرَ المسلمين، قال ابن القاسم وأشهب رحمهما الله: “وَإِنْ مَاتَ الابْنُ المُسْلِمُ، فَلَا يُوكَلُ إِلَى أَبِيهِ [الكَافِرِ] فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ، مِنْ غَسْلٍ وَلَا غَيْرِه… فَأَمَّا سَيْرُهُ مَعَهُ وَدُعَاؤُهُ لَهُ، فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ” [النوادر والزيادات: 1/612]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عصام بن علي الخمري
عبد الرحمن بن حسين قدوع
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
09/ربيع الأول/1445هـ
24/سبتمبر/2023م.