بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2054)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
طلقت زوجتي، وهي حامل، طلقةً واحدة، وكنت في حالة غضب، فأفتاني أحد المشايخ بأن الطلاق لا يقع عند الغضب، ثم طلقتها إثر نزاع، وهي حائض، بقولي لها: “اذهبي إلى بيتكم مطلقة”، فأفتاني نفس الشيخ بأن الطلاق في الحيض لا يقع، ثم ضربتها يوما، فأتى إخوتها فضربوني وهي تتفرج، فقلت لها: “أنت طالق طالق طالق”.
فأرجو التوضيح كم طلقة صحيحة وقعت؟ وهل يجوز لي مراجعتها؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالطلاق عند الغضب يقع ويلزم، إن كان المطلق وقت غضبه يعي ما يقول، فالطلاق حينئذٍ واقع عليه، ولو كان الغضب شديدًا؛ لحديث خولة بنت ثعلبة امرأة أوس بن الصامت رضي الله عنهما: (أنها راجعت زوجها، فغضب، فظاهر منها، وكان شيخًا كبيرًا قد ساء خلقه وضجر، وأنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فجعلت تشكو إليه ما تلقى من سوء خلقه، فأنزل الله آية الظهار، وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكفارة) [ابن ماجه:2063]، فألزمه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بالتكفير عن الظهار الذي أوقعه في حال الضجر والغضب، ولم تسقط عنه الكفارة، والطلاق كالظهار، وأما إن كان السائل لا يعي ما يقول، ولا يشعر بما صدر منه؛ فالطلاق لا يقع؛ لأنه في حكم المجنون فاقد العقل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (رُفِع القلمُ عن ثلاثةٍ: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتَلم، وعن المجنونِ حتى يَعقل) [الترمذي:1423]، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا طلاقَ ولا عتاقَ في إغلاقٍ) [أحمد:314/53]، وقال الصاوي رحمه الله: “يلزم طلاق الغضبان، ولو اشتد غضبه، خلافًا لبعضهم، وكل هذا ما لم يغب عقله، بحيث لا يشعر بما صدر منه، فإنه كالمجنون” [بلغة السالك:351/2].
أما الطلاق في الحيض فهو واقع على مذهب جماهير العلماء، من الأئمة الأربعة وغيرهم؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما “أنه طلق زوجته وهي حائض، فذكر عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ليرجعها)، قلت: تحتسب؟ قال: فمه؟” [البخاري:5449]، يقول النووي رحمه الله: “أجمعت الأمة على تحريم طلاق الحائض الحائل، فلو طلقها أثم، ووقع طلاقه، ويؤمر بالرجعة؛ لحديث ابن عمر المذكور في الباب” [شرح صحيح مسلم:60/6].
عليه؛ فالطلاق المذكور إن كان قد وقع من السائل وهو في الغضب المعتاد، فكله طلاق واقع، وتكون قد بانت به الزوجة بينونة كبرى، لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره؛ لقول الله تعالى في الثالثة: )فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) [البقرة:230]. والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
محمد الهادي كريدان
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
29/ذو القعدة/1435هـ
2014/9/24م