طلب فتوى
الأسرةالطلاقالفتاوى

طلاق المسحور مسلوب الإرادة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5857)

 

السيد المحترم/ رئيس قلم محكمة ج م الجزئية.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تحية طيبة، وبعد:

فبالنظر إلى مراسلتكم المتضمنة طلب إبداء الرأي الشرعي في الدعوى المرفوعة من (م ق ح)، ضد (ز خ ق)، بخصوص إثبات الطلاق الثالث، الواقع بتاريخ: -/ -/ 2024م، حيث إنّ الزوج أرجع طلاقه الأخير إلى أنه وقع منه تحت تأثير السحر والشعوذة، كونه مغيبا لا يعي ما يقول، وأرفق شهادة موثقة من خمسة من أصدقائه المقربين، تفيد بأنه تعرض لمرض نفسي -يحتمل أنه ناتج عن السحر والشعوذة- أفقده الشعور والإرادة، كما أرفق شهادة موثقة من راق شرعي، بأنه أظهر أعراض مس شيطاني،  والمدَّعى عليها ذكرت بأنها ليس لها علم بالطلاق الثالث، وصدقت زوجها فيما قال، وطلب المتداعيان اعتبار الطلاق كأن لم يكن.

فإن الجواب كالآتي:

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أمّا بعد:

فإذا كان الزوج حين التلفظ بالطلاق في حالة فقدِ وعيٍ، بحيث لا يدري ما يقولُ، أو وجد نفسه مجبرًا على التلفظِ بلفظ الطلاقِ، مكرها عليه بسببِ السحر، غير قادر على تركه ولا الانفكاك عنه، فإنّه لا يقعُ منه طلاق؛ لأنّه في الحالة الأولى في حكمِ المجنون فاقدِ العقل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ) [الترمذي: 142]، وقد جاء في المدونة: “قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: مَا نَعْلَمُ عَلَى مَجْنُونٍ طَلَاقًا فِي جُنُونِهِ، وَلاَ مَرِيضٍ مَغْمُورٍ لاَ يَعْقِلُ، إِلاَّ أَنَّ الْمَجْنُونَ إِذَا كَانَ يَصِحُّ مِنْ ذَلِكَ، وَيُرَدُّ إِلَيْهِ عَقْلُهُ، فَإِنَّهُ إِذَا عَقِلَ وَصَحَّ جَازَ أَمْرُهُ كُلُّهُ، كَمَا يَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ” [المدونة: 2/84]، ولأنه في الحالة الثانية تحت تأثير المرض في حكم المكرَه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللهَ وَضَعَ عَن أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) [ابن حبان: 7219]، وفي المدونة: ” قُلْتُ: أَرَأَيْتَ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ وَمُخَالَعَتَهُ، قَالَ مَالِكٌ: لاَ يَجُوزُ طَلَاقُ الْمُكْرَهِ، فَمُخَالَعَتُهُ مِثْلُ ذَلِكَ عِندِي” [المدونة: 2/79].

وهذا في المسحورِ الذي جعله السحرُ مسلوبَ الإرادةِ، بخلافِ المسحورِ الذي لم تصلْ حالته إلى هذا الحدّ، وبخلافِ العاقل المختارِ الذي لم يفقدِ الإدراك، فهذانِ محاسبانِ على أقوالهما وأفعالهما، والطلاق لازم لهما.

وعليه؛ فإن كان الحال ما ذكر، وكان الزوج وقتَ إيقاع الطلاقِ مسلوبَ الإرادةِ والوعي، تحتَ وطأةِ السحرِ – كما ذكر – فطلاقُهُ غيرُ واقع، وزوجته ما زالتْ على عصمتهِ، وليعلم أنّ وقوعَ الطلاق من عدمهِ، متوقفٌ على صدقِ ما أخبرَ به، مِن عدمِ إدراكه لما وقعَ منه مِن التلفظِ بالطلاقِ حينَ وقوعه، أمَّا إن كان مدركًا لما أوقعه من الطلاقِ، ولم يجد نفسهُ مجبَرًا على التلفّظ به؛ فإنّ هذه الفتوى لا تفيدُه؛ لأنّها بُنيتْ على إخبارهِ بعدمِ إدراكه، فإذا كانَ الواقعُ غيرَ ذلك، فالطلاقُ يلزمُه، والفتوَى لا تصلحُ له، والله أعلم.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد ميلاد قدور

حسن بن سالم الشريف

 

الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

30//جمادى الأولى//1446هـ

01//12//2024م 

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق