بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4155)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
حصلت مشكلة بيني وبين زوجتي في سنة 2015م، فقلت لها: اعتبري نفسك مطلقة، ولم أكن ناويًا الطلاق، فتصالحت معها، واستمرت حياتنا معًا، ثم حصلت مشكلة أخرى، فقلت لها: أنت طالق، ثم رجعتها، وكان ذلك في أواخر سنة 2017م، وفي المرة الثالثة كنت في رحلة لعلاج الوالد في تونس، وكنت في خصام مع زوجتي على الهاتف، ففقدت السيطرة على نفسي، وقلت لها: طالق بالثلاثة، ولم أكن واعيا بما قلته، وقد استفتيت شيخًا فأفتاني بعدم وقوعها، وبعد ذلك حصلت مشكلة بيني وبينها في سنة 2019م، فقلت لها: أنت طالق، فما حكم هذه الطلقات؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن الطلاق يقع باللفظ الصريح، ولو لم يقصد به الزوج حلّ العصمة، قال صلى الله عليه وسلم: (ثَلاَثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلاَقُ وَالرَّجْعَةُ) [ابن ماجه:2117]، قال الدردير: “(وَلَفْظُهُ الصَّرِيحُ) الَّذِي تَنْحَلُّ بِهِ الْعِصْمَةُ وَلَوْ لَمْ يَنْوِ حَلَّهَا مَتَى قَصَدَ اللَّفْظَ (الطَّلَاقُ) كَمَا لَوْ قَالَ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي … (وَطَلَّقْتُ) … (وَطَالِقٌ) … (وَمُطَلَّقَةٌ)” [الشرح الصغير2/559]، فإن خرجت الزوجة من العدّة ولم يرجعها الزوج، فقد بانت منه بينونة صغرى، ولا تحلّ له إلا بعقد جديد وصداق وشاهدين، قال القرطبي: “فَإِنْ لَمْ يُراجِعْهَا المطلِّقُ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، فَهِيَ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا، وَتَصِيرُ أَجْنَبِيَّةً مِنْهُ، لَا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا بِخطْبَةٍ وَنِكَاحٍ مُسْتَأْنَفٍ” [الجامع لأحكام القرآن: 5/448].
فإن باشر الزوج زوجته في العدّة دون نية لإرجاعها، لم يعدّ فعله رجعة، قال الخرشي: “يَعْنِي أَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَحْصُلُ بِفِعْلٍ مُجَرَّدٍ عَنْ نِيَّةِ الرَّجْعَةِ وَلَوْ بِأَقْوَى الْأَفْعَالِ كَوَطْءٍ وَأَحْرَى قُبْلَةٌ وَلَمْسٌ”[الخرشي: 4/81]، ثم إن طلّقها الزوج بعد ذلك طلقة أخرى حسبت عليه، وتكون طلقة بائنة؛ مراعاة للقول بحصول الرجعة بمجرّد الوطء، قال البناني: “وَيَتَعَيَّنُ كَوْنُ الطَّلَاقِ اللَّاحِقِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بَائِنًا؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِلُحُوقِهِ هُوَ أَبُو عِمْرَانَ، وَقَدْ عَلَّلَهُ بِأَنَّهُ كَالطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ وَهَذَا بَائِنٌ، وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ رَجْعِيًّا لَلَزِمَ إقْرَارُهُ عَلَى الرَّجْعَةِ الْأُولَى وَالْمَشْهُورُ بُطْلَانُهَا” [منح الجليل: 4/182].
عليه؛ فإن كان الواقع ما ذكر في السؤال، فإنّ الزوجة قد بانت من زوجها بينونة صغرى، ولا يلحق به ما تلفظ به بعد ذلك من الطلاق؛ لكون الطلاق الثاني بائنًا، ومعاشرته لزوجته منذ أن طلّقها الطلقة الأولى بقوله: (اعتبري نفسك مطلقة) معاشرة محرّمة يجب أن يكفّ عنها؛ لأنّها ليست زوجة له، لكن يُلحق به ما حصل له من الولد خلال هذه المدّة للشبهة، وعليه -إذا أراد البقاء معها- أن يستبرئها من مائه الفاسد بثلاث حيضات ثم يجدّدُ العقد عليها بصداقٍ ووليٍّ وشاهدين، مع العلم أنّه لم يبقَ له -إن عقد عليها- في العصمة الجديدة إلا طلقةٌ واحدة، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
(أعطيت هذه الفتوى بناء على طلب المستفتي وإقراره بأن القضية موضوع الفتوى ليست معروضة على القضاء، وإذا ثبت خلاف ذلك فتعد الفتوى لاغية، ويخضع صاحبها للمساءلة القانونية.)
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الدائم بن سليم الشوماني
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
21// رجب// 1441هـ
16// 03// 2020م