بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4208)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أخذت مالا من والدي لغرض التجارة فيه، ودون تحديد منه لهذا المال؛ هل هو عطية أو قرض، وإنما ما تعارف عليه الناس من إعانة الوالد لولده حتى يستقل بذاته، قمت أنا وأخوَيَّ بالمتاجرة بهذا المال، ثم تركت العمل معهم، وبقي أخويَّ ما يقارب 25 سنة يتاجرون في المال، نما المالُ، واستفاد كل من أخوي ببناء مسكن والزواج وغير ذلك، كل ذلك في حياة والدي، ولم يعترض على شيء، وقبل سنتين توفي والدي، وبعده بأشهر توفي أخي وهو القائم الفعلي بالعمل، ماذا نعتبر المال الذي تمت المتاجرة فيه؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن الولد إذا عمل في مال أبيه من غير اتفاق على شيء كان الربح لأبيه، وللابن أجرة مثله، ويحاسب على كل ما أنفقه على نفسه في الزواج وغيره من هذه الأجرة، ما لم يكن قَصَد الأب بإعطاء المال لابنه الهبة، وكذلك الأمر في التركة؛ قال الدسوقي رحمه الله: “وَقَرَّرَ شَيْخُنَا الْعَدَوِيُّ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مَا مُحَصَّلُهُ لَوْ عَمِلَ أَوْلَادُ رَجُلٍ فِي مَالِهِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ مَعَهُ، أَوْ وَحْدَهُمْ وَنَشَأَ مِنْ عَمَلِهِمْ غَلَّةٌ كَانَتْ تِلْكَ الْغَلَّةُ لِلْأَبِ وَلَيْسَ لِلْأَوْلَادِ إلَّا أُجْرَةُ عَمَلِهِمْ يَدْفَعُهَا لَهُمْ بَعْدَ مُحَاسَبَتِهِمْ بِنَفَقَتِهِمْ وَزَوَاجِهِمْ إنْ زَوَّجَهُمْ فَإِنْ لَمْ تَفِ أُجْرَتُهُمْ بِذَلِكَ رَجَعَ عَلَيْهِمْ بِالْبَاقِي إنْ لَمْ يَكُنْ تَبَرَّعَ لَهُمْ بِمَا ذُكِرَ مِنْ النَّفَقَةِ، وَالزَّوَاجِ، وَهَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَوْلَادُ بَيَّنُوا لِأَبِيهِمْ أَوَّلًا أَنَّ مَا حَصَلَ مِنْ الْغَلَّةِ لَهُمْ أَو بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ، وَإِلَّا عُمِلَ بِمَا دَخَلُوا عَلَيْهِ وَقَرَّرَ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا اتَّجَرَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ فِي التَّرِكَةِ فَمَا حَصَلَ مِنْ الْغَلَّةِ فَهُوَ تَرِكَةٌ وَلَهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ إنْ لَمْ يُبَيِّنْ أَوَّلًا أَنَّهُ يَتَّجِرُ لِنَفْسِهِ فَإِنْ بَيَّنَ أَوَّلًا كَانَتْ الْغَلَّةُ لَهُ، وَالْخَسَارَةُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ إلَّا الْقَدْرُ الَّذِي تَرَكَهُ مُورِثُهُمْ” [حاشية الدسوقي: 3/465]، وعدم اعتراض الأب وسكوته لا يلزم منه الهبة، ما لم يصرح بها، قال الدردير رحمه الله: “وَقَوْلُ الرَّجُلِ فِي شَيْءٍ يُعْرَفُ لَهُ هَذَا كَرْمُ وَلَدِي أَوْ دَابَّةُ وَلَدِي لَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَا يَسْتَحِقُّ الِابْنُ فِيهِ شَيْئًا إلَّا بِإِشْهَادٍ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ بَيْعٍ صَغِيرًا كَانَ الِابْنُ أَوْ كَبِيرًا وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ اهـ بْن” [الشرح الكبير:2/324].
عليه؛ فينظر ما أنفقه الولد على نفسه في الزواج وغيره إن كان مساويًا لأجرة المثل فإنه يختص به، وإن كان أكثر رد الزائد إلى التركة، وإن كان أقل رجع على الورثة بما نقص، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
عبد الدائم سليم الشوماني
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
28//ذو القعدة//1441هجرية
19//07//2020م