غصب بغير حق، وتعويض بخس
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2552)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
امتلكنا بيتًا في السبعينيّات، فأخذته منّا الدولة بموجب القانون رقم (4)، لسنة 78م، وعوضتنا عنه بثمنٍ بخس، ثم قررتِ الدولةُ إعادة النظر في التعويضات، فقدمنا طلبًا باسترجاعِه، واليوم استولى شخصٌ آخر على البيتِ المذكور، ويقولُ أنه ملكٌ للدولة وأنه أحق به منّا، فأفتونا مَن أحقّ بهذا البيت؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فما قامَت به الدولة بموجب قانون التأميم، هو مِن استباحة ممتلكات الناسِ بالظلم، وكلّ ما حصل بموجبه في ذلك الوقت يُعدُّ تعدّيا وغصبا، لا يثبت به ملك، إلا إذا عوّضت الدولة المتضررين مقابل نقل الملكية إليها، ورضُوا بالتعويضِ في ذلك الوقت؛ أما إذا لم تدفعِ الدولة عوضًا مناسبًا – وكانوا غيرَ راضِين به وقت نقلِ الملكية – فلا يثبتُ به حقّ، ويبقى الحق للمالكِين، وكل ما حصل بموجب هذا القانون مِنْ تَمَلُّكٍ للأملاكِ بدون رضا أصحابها يعد باطلًا، قال الله عز وجل: ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ﴾ [البقرة:188]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) [البيهقي:5492]، وقد نصّ العلماءُ على أنّ حكم الحاكم ينقض إذا خالف نصَّ الشارع، ولا ينفذ حكمه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ) [أبوداود:3075].
وما فعله المتعدي على هذا العقار هو غصب محرم شرعًا، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التعدي على أملاك الناس وعقاراتهم، فقال: (من اقتطع شبرًا من الأرض ظلمًا، طُوِّقه يوم القيامة من سبع أرضين) [مسلم:1230/3].
وعليه؛ فإنه يجوزُ لكلّ مَن وقعَ عليهم ظلم بسبب هذا القانونِ المطالبة بحقوقهم، ويجبُ عليهم الرجوعُ في استردادِ حقوقِهم إلى جهاتِ التقاضِي المعروفة، وما تقررُه المحاكمُ والهيئات المخولةُ بذلك، والواجبُ الانتظار، حتى يخرج القانون الخاص بحلِّ ما ترتب على مثل هذه القوانين مِن مخالفات، ومَن أخذ تعويضًا، وكان راضيًا به في حينِه، ونقل بمتضاه الملكية إلى الدولة، فلا يحقّ له الآنَ الرجوع عنه، والتندم، بسبب تغيُّر الأسعارِ وارتفاعِها، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
محمد الهادي كريدان
أحمد ميلاد قدور
غيث بن محمود الفاخري
نائب مفتي عام ليبيا
26/ذو القعدة/1436هـ
10/سبتمبر/2015م