فتح الدولة الطرق في أملاك الناس دون تعويضهم
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5837)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أملك قطعةَ أرض فُتحت أمامها طريق، ويفصل بين قطعتي والطريق زوائد، وهذه الطريق والزوائد نُزعت ملكيَّتُها من أصحابها، وصارت ملكاً للدولة من غير أن يُعوّض مُلَّاكها، وأنا أرغب في شراء هذه الزوائد، وأصحاب الأرض يطالبونني بدفع ثمنها كاملاً إن أردتُ تملُّكَها، مما يترتب عليه شراؤها مرتين؛ من أصحابها مرة، ومن الدولة مرة أخرى، فما حكم الشرع في هذه المسألة؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنه لا يجوزُ للدولة أخذُ شيءٍ من أملاك الناسِ بغير وجهِ حقّ، كما لا يحِقُّ لها إجبارُهم على بيعها لغير ضرورةٍ ومصلحةٍ عامّة ملحةٍ، قال الله تعالى: (وَلَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ) [البقرة: 188]، فإذا وُجدت المصلحةُ، وكانت عامةً ملحةً، جاز للدولة أخذُ أملاك الناسِ مقابلَ تعويضِهم بثمنِ الوقت، وذلك بإبرام عقدِ بيعٍ بين الدولة والمالك.
وإذا أُبْرِم عقدُ البيعِ بين الطرفين، ورضي المالكُ به، وكان بثمنِ الوقت، لم يجُزْ للمالك أن يطالبَ بشيء بعد ذلك، حتى لو ارتفع سعر الأرض فيما بعد، ولا يحق له أن يمنع من أراد الاستفادة من الزوائد؛ لأنها صارت ملكًا للدولة، ومَن أراد تملُّكها فعليه أن يشتريها من الدولة، ولا عبرة باعتراض المالك حينئذٍ.
وأما إذا كان العوضُ الذي دفعته الدولة لمالك الأرض أقلَّ من ثمن المثل وقتَ أخذ الأرض منه، ولم يرضَ به حينها، أو لم تَدفع له الدولة شيئًا على الإطلاق، ففعلُ الدولةِ حينها تعَدٍّ وغصبٌ، لا يثبتُ به حقّ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ لِعِرْق ظَالِم حَقٌّ) [أبوداود:3075]، وقال صلى الله عليه وسلم: (مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِن سَبْعِ أَرَضِينَ) [مسلم:1610]، وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا: (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ) [البيهقي: 11545].
ولا يجوز لصاحب الأرض الذي لم يُعوَّض فيها أن يبيعها لغير الدولة؛ لأنه لا يقدر على تسليـمها للمشتري، ولأن بيعها في هذه الحالـة يُوقِع المشتري في خصومة مع الغاصب وهو الدولة، قال عليش رحمه الله مبينًا ما يمنع بيعُه: “(وَ) لَا يَصِحُّ بَيْعُ شَيْءٍ (مَغْصُوبٍ) لِغَيْرِ غَاصِبِهِ… لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا فِيهِ خُصُومَةٌ وَهُوَ غَرَرٌ” [منح الجليل: 4/457].
وعليه؛ فإن كان الحال كما ذكر، من أنَّ الدولة فتحت الطريق في أرض لم تعوِّض أصحابَها فيها، فإن فعلها تعدٍّ وغصبٌ، لا تزول به ملكيّةُ الأرض عن أصحابها، ويجب على المسؤولين تعويضِ أصحابها، ويجب أن يكون التعويضُ بسعر الوقت، والعقوبةُ المتوعَّد بها في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا، طَوَّقَهُ اللَّهُ إِيَّاهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِن سَبْعِ أَرَضِينَ)، واقعةٌ على الآمرِ من المسؤولينَ بتنفيذ هذه المشاريع، وعلى المباشرين من المسؤولين على فتحِ المسارات، فالآمرُ والمباشرُ شريكان، ولا يستطيع المباشرُ أن يقول أنا عبد مأمور؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المـَعْرُوفِ) [مسلم:1840]، ولا يجوز لمن أراد الانتفاع بالزوائد في هذه الحالة بعد فتح الطريق أن يشتري الزوائد أو الأرض من الدولة قبل أن تعوض أصحابها؛ لأنها غاصبة للأرض، وملكيتها باقية لأصحابها، ومِن حقهم المطالبةُ بقيمة الأرض، ولهم اتباع السبلِ القانونية للحصول على هذا التعويض، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
03// جمادى الأولى// 1446هـ
05//11//2024م