فريضة شرعية 125
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2321)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
تنازل والدي لوالدتي عن البيت الذي تقيم فيه، نظير أن تسمح له بالزواج من زوجة أخرى، ولم يقم معها في البيت الموهوب، وتم توثيق هذا التنازل في المحكمة، وتوفيت والدتي عن زوجها (ج)، وعن أبنائها الذكور: (ف)، و(م)، و(ع)، وعن بنتيها: (ز)، و(س)، ثم توفي والدي عن زوجته الثانية، وعن ابنه: (ص) وأبنائه الذكور المذكورين، وعن ابنته: (ل) وابنتيه المذكورتين، فما نصيب كل وارث، وهل من نصيحة للإخوة الذين يمنعون أخواتهم من ميراث أبيهم أو أمهم؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن التنازل المذكور من قبيل الهبة الصحيحة النافدة شرعاً؛ لأن من شرط تمام الهبة أن يحوزها الموهوب له في حياة الواهب، ويتصرف فيها تصرف المالك في ملكه، قال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله: “ولا تتم هبة ولا صدقة ولا حبس إلا بالحيازة، فإن مات قبل أن تحاز فهي ميراث” [الرسالة:117].
عليه؛ فإذا كان الورثة محصورين في من ذكر، فقد انتهت الفريضة بعد إجراء المناسخة إلى (352) سهمًا, صح منها لزوجته الثمن فرضًا (11) سهما، وصح لكل واحد من أبنائه الذكور: (ف)، و(م)، و(ع) (80) سهما، وصح لابنه: (ص) (14) سهما، وصح لكل واحدة من ابنتيه: (ز)، و(س) (40) سهما، وصح لابنته: (ل) (7) أسهم، تمام القسمة.
ولا يجوز لأحد أن يمنع أحدا من شيء جعله الشرع حقا له؛ كأن يمنع أخٌ أختَه نصيبَها من ميراث أبيها، فإن هذا من أعظم الظلم وأبْيَنِه، وقد جاءت الآيات والأحاديث الكثيرة، المحذرة للظالمين من مغبة ظلمهم عامة، وفيما يتعلق بالأرض خاصة؛ ففي الصحيحين أن أبا سلمة بن عبد الرحمن رضي الله عنه، كان بينه وبين قومه خصومة في أرض، وأنه دخل على عائشة فذكر لها ذلك، فقالت: “يا أبا سلمة اجتنب الأرض؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين)” [البخاري:2453، مسلم:4144].
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من تضييع الحقوق؛ خاصة إذا كان صاحب الحق يتيما أو امرأة، فقال صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أُحَرِّجُ حق الضعيفين؛ اليتيم والمرأة) [ابن ماجه:3809]، قال السندي رحمه الله: “قوله: (إني أُحَرِّجُ) بالحاء المهملة من التحريج أو الإحراج، أي: أضيق على الناس في تضييع حقهما، وأشدد عليهم في ذلك، والمقصود إشهاده تعالى في تبليغ ذلك الحكم إليهم، وفي الزوائد: المعنى: أحرج عن هذا الإثم بمعنى أن يضيع حقهما، وأحذر من ذلك تحذيرا بليغا، وأزجر عنه زجرا أكيدا، قاله النووي، قال: وإسناده صحيح رجاله ثقات” [حاشية السندي على ابن ماجه:393/2].
وليحذر المسلم من الإعراض عن تطبيق الأحكام الشرعية بعد تبيُّنها، فإن ذلك من أعظم الإثم، قال تعالى: (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِّن قَبْلِ أَنْ يَّأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ) [الشورى:47].
بل قد يصل الإعراض إلى الكفر، إذا كان المانع عدمَ الاقتناع بالحكم الشرعي بعد تبينه، أو كراهته، أو تفضيل حكمٍ على حكم الشرع، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
محمد الهادي كريدان
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
24/جمادى الآخرة/1436هـ
14/أبريل/2015م