(قرار مجلس البحوثِ والدِّراسات الشرعيّةِ بدار الإفتاء اللِّيبيّة رقم (04) لسنة 1446هــ؛ بِشَأْن حكم عقودِ التوريد والبدائلِ الشرعية له)
(قرار مجلس البحوثِ والدِّراسات الشرعيّةِ بدار الإفتاء اللِّيبيّة رقم (04) لسنة 1446هــ؛ بِشَأْن حكم عقودِ التوريد والبدائلِ الشرعية له)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أمّا بعد:
فإِنّ مجلس البحوث والدراساتِ الشرعيّة بدار الإفتاء، اسْتَعرَضَ مسألةَ عقود التوريد، الجاري العمل بها في الدولة الليبية، وما يصحبها من مخالفات، ودرس البدائل الشرعية لها، وتَوَصَّلَ فيها إلى القرار الآتي:
أوّلًا: إنّ عقودَ التوريدِ الجاري العمل بها في السوق، تصحبها مخالفاتٌ ترجع إلى بيع الديونِ التي يتأجل فيها العوضان، حيث يلتزم أحـدُ الطرفين بتسليم شيء موصوفٍ في الذمة إلى أجل معلوم، ويلتزم الطرفُ الآخر بدفع ثمنٍ مؤجَّلٍ مقابلَ ذلك، وتأجيل العوضين في عقود المعاوضة من بيع الدَّين بالدين، الذي ورد النهي عنه في الحديث (رواه الدارقطنيُّ في سننه، والحاكمُ في المستدرك).
ثانيًا: هناك بدائلُ شرعيةٌ لهذه الصورة من عقود التوريد، يكون فيها العقدُ صحيحًا، وهي:
1- عقود الاستصناع؛ وذلك ما إذا كانت السلعةُ المرادُ توريدُها مما يُستصنَع عادةً؛ فلا إشكالَ في تأجيل العوضين، (العناية شرح الهداية للبابرتي: (7/ 114)، حاشية ابن عابدين: (5/ 224)، وبذلك أخذَ مجمع الفقه الإسلامي الدولي في قراره رقم (67/3/7): “ويجوز في عقد الاستصناع تأجيلُ الثمنِ كلِّه، أو تقسيطُه إلى أقساطٍ معلومة لآجالٍ محددة”.
2- التعاقد على السلع الجاهزة في السوق التي لا يراد تصنيعها، والصور الجائزة فيها كما يلي:
أ- أن يكون التعاقد من الجهة البائعة للسلعة خارج البلاد، مع الجهة طالبة التوريد داخل البلاد، رأسًا دون واسطة.
وفي هذه الحالة يجب على الجهة الطالبة للسلعة أن تفتح الاعتماد عند التعاقد، وتخول المصرف المراسل لها بدفع جزء من الثمن، يزيد على 50 %، خلال مدةٍ لا تزيد على ثلاثة أيام من وقت التعاقد. (التوضيح شرح مختصر ابن الحاجب: 6/ 3).
ب- يجوز للجهة الطالبة للسلعة أن تطلب من بائع محلي أو خارج البلد، سلعة غير متوافرة عنده، على أن يشتريها من السوق ويبيعها للجهة التي طلبتها منه بعد إحضارها، بمواعدة بينهما، يتفقان فيها على مقدار الربح الذي يأخذه البائع، بشرط نقد الجهة الطالبة للسلعة الثمنَ عند استلامها دون تأجيل. (التاج والإكليل لمختصر خليل: 6/ 299).
ج- أن يكون هناك وسيط محلي يتفاوض مع البائع خارج البلاد، فيكون الوسيطُ وكيلًا عن الجهة طالبة التوريد، ويشترط حينئذ فتح اعتماد على نحو ما تقدم في الفقرة (أ)، ويكون الاعتماد باسم الجهة طالبة التوريد لا باسم الوكيل، ولا يجوز أن تدفعَ الجهة الوسيطةُ الثمنَ من عندها، ولها الحق في الأجرة على الوساطة، بشرط أن تكون معلومةً، يتفقُ عليها الطرفان.
د- يمكن للجهة الطالبة للسلعة أن تتعاقد عليها مع البائع -ولو لم تكن عنده وقت التعاقد- إذا كانت السلعة مما يكثر وجودها عنده في الغالب، فإنه يجوز شراء سلعة من دائم العمل ليست عنده، ويمكنه إيجادها في مدة قصيرة، لا تتجاوز نصف شهر، وهو ما يعرف ببيعة أهل المدينة، ولا يشترط في هذه الصورة تعجيلُ الثمن من الجهة الطالبة للسلعة، وإنما يُشترط الشروعُ في التسليم خلال خمسةَ عشرَ يومًا (الشرح الكبير: 3/ 216).
وهذه إذا توفرَ شرطها؛ يجوز أن تكون مع البائع المحليّ ومع الموردِ الخارجيّ.
وصلَّى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.
مجلس البحوث والدراسات الشرعية بدار الإفتاء.