طلب فتوى
التبرعاتالفتاوىالمعاملاتالوقف

قسمة عقار محبس ثلثه على الشيوع

شراكة ورثة مع وقف في عقار

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (4715)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

جاء في وثيقة ما نصه: (بتاريخ اليوم الثامن من شهر ناصر عام ألفين وتسعة إفرنجي، حضر لدينا م ص ح … وهو بكامل قواه العقلية والصحية وقد أشهدنا على نفسه أنه أوصى بالثلث في مخلفاته وممتلكاته بعد وفاته، الثلث فيما يملكه من أرض وأشجار وكروم وزيتون ونخيل، وتشمل هذه الوصية ممتلكاته التي بالمحلة الشرقية بمزارع الهياج أو بمزرعته التي بتاجوراء محلة الوادي الشرقية وتعرف بالجفينة، لقد وصى الحاج م ص ح ابنه د بفرز الثلث .. وتصريف الإنتاج في وجوه الخير كصدقة جارية تصرف للفقراء والمساكين وطلبة القرآن الكريم وبيوت الله المساجد، وفي حالة عَجْزِ الوكيل عن التصرف في الثلث يجوز له بيعه للورثة كل حسب نصيبه في الميراث وتصرف لبيوت الله هذه وصية أملاها المالك ومن بدلها أو غيرها حسبه الله .. ثم ذكر الإشهاد والتوقيع وتصديق محرر العقود). والسؤال: هل تنفذ الوصية المذكورة في جميع ممتلكات الموصِي، أم هي خاصة بممتلكاته بالمحلة الشرقية المذكورة ومزرعته بتاجوراء (الجفينة)؟ علما أن له أملاكًا غير ما فصلته الوثيقةُ، بعضها تمَّ بيعه وقسمة ثمنه على الورثةِ، والبعض الآخر نعتزم قسمه بيننا الآن، وإذا كانت الوصية خاصةً بما فصلته الوثيقة من أملاكٍ، فعلامَ يدلّ العطفُ بـ(أو) بين الممتلكات بالمحلةِ الشرقيةِ ومزرعة تاجوراء؟ وهل يجوز للورثة مبادلة الثلث الموصى به في مزارع الهياج المذكورة في الوصية بأرض أخرى؟

الجواب:

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أمّا بعد:

فالعموم الوارد في الوثيقة من قول الموصي (الثلث في ما يملكه)، مخصوصٌ بقوله: إنها تشمل الأملاك التي بمزارع الهياج والوادي الشرقي (الجفينة)؛ لكون استعمال هذا الأسلوب في الكتابة في العرف للتخصيص، والعبرة في العقود بالمقصود والمتعارف عليه، مع تأكيد شهود الوثيقة وكاتبها على قصد هذا المعنى بناء على سؤال الموصي عن قصده، فهو نص على إرادة التخصيص، قال الوزاني رحمه الله: “وَالْحَقّ أَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ تَقَدُّمِ الْعُمُومِ أَوْ تَأَخُّرِهِ عَنِ الْخُصُوصِ فِي اعْتِبَارِهِ مَا لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى قَصْدِ الْخُصُوصِ الْوَارِدِ بَعْدَهُ أَوْ قَبْلَهُ” [تحفة أكياس الناس: 152]، وقول الموصي: (بمزارع الهياج أو بمزرعته التي بتاجوراء) فالظاهر قصده الموضعين المذكورين -حسبما أفاد الشاهدان- لا أحدهما، وتكون أو بمعنى الواو للمصاحبة، ولا تأباه قواعد اللغة، قال الأشموني رحمه الله: “وَذَكَرَ فِي التَّسْهِيلِ أَنَّ (أَوْ) تُعَاقِبُ الْوَاوَ فِي الْإِبَاحَةِ كَثِيرًا، وَفِي عَطْفِ الْمُصَاحِبِ وَالْمُؤَكَّدِ قَلِيلًا، فَالْإِبَاحَةُ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالْمُصَاحِبُ نَحْوَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيّ أَوْ صِدّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ)” [شرح ألفية ابن مالك: 2/382]، ومنه قول الله تعالى: ﴿وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ ‌ءَاثِمًا ‌أَوْ ‌كَفُورًا﴾ [الإنسان: 24]، كما أن الاستعمال العرفي يقوي ذلك، يأتون بالهمزة المضمومة قبل الواو، وقصدهم العطف بالواو، وهو استعمال دارج.

عليه؛ فالواجب أن ينظر إلى الثلث الموصى به من هذه الأملاك المخصوصة؛ وهي (مزارع الهياج، والجفينة)، فما كان منها يقبل القسمة بين الورثة والموقوف عليهم قُسم، ويترك الثلث ليصرف الناظر غلته على المصارف المحددة من الموصي، ولا يجوزُ مبادلته بأي أرض أخرى؛ لأن ذلك من التّعدّي والتّغيير في الوصيّة، قال تعالى: ﴿‌فَمَن ‌بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ﴾ [البقرة: 181]، وما كان منها لا يقبل القسمةَ، أو في قسمته ضرر على الورثة الشركاء؛ أو ينقص ثمنها إن بيعت مجزأة، فإنها تباعُ، ويشترى بثلث الثمن عقار مأمون، تصرف غلته على الوجوه الموقوف عليها، قال الدردير رحمه الله في ما يصحّ وقْفهُ: “أَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا شَائِعًا فِيمَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ وَيُجْبَرُ عَلَيْهَا الْوَاقِفُ إنْ أَرَادَهَا الشَّرِيكُ، وَأَمَّا مَا لَا يَقْبَلُهَا فَفِيهِ قَوْلَانِ مُرَجَّحَانِ، وَعَلَى الصِّحَّةِ يُجْبَرُ الْوَاقِفُ عَلَى الْبَيْعِ إنْ أَرَادَ شَرِيكُهُ وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ فِي مِثْلِ وَقْفِهِ” [الشرح الكبير: 4/67]، وفي المعيار جوابًا لسؤالٍ عن رجلٍ أوصى في مرضه بتحبيس رُبْعِ رَبْعِهِ شَائِعًا على رَجُلٍ بعينه، فلما مات الموصى أراد الورثة أصحاب الثلاثة الأرباع أن يبيعوا أنصباءهم، ويجبروا صاحبَ الربع الموصى له به على البيع معهم، فهل لهم ذلك؟: “فأجاب … مُحَمَّد بْن دَاوُد: إِذَا كَانَ الْمِلْكُ مِمَّا يَنقَسِمُ مِن غَيْرِ ضَرَرٍ عَلَى بَعْضِ أَهْلِ الْأَنْصِبَاءِ قُسِمَ بَيْنَهُمْ، فَمَا صَارَ لِلْحُبُسِ كَانَ عَلَى مَا وَضَعَهُ الْمُحَبِّسْ، وَمَا صَارَ لِبَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ صَنَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي نَصِيبِهِ بَعْدَ الْقَسْمِ مَا شَاءَ، مِن بَيْعٍ أَوْ إِمْسَاكٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَإِن كَانَ ذَلِكَ مِمَّا لاَ يَنْقَسِمُ إِلاَّ بِضَرَرٍ عَلَى الشُّرَكَاءِ، وَالضَّرَرُ عِندَ ابْنِ الْقَاسِمِ أَن يَصِيرَ فِي حَظٍّ أَقَلَّ مَا لاَ يَنْتَفِعُ بِهِ أَوْ لاَ كَبِيرَ مَنْفَعَةٍ فِيهِ فَيُبَاعُ جَمِيعُ الْمِلْكِ، فَمَا صَارَ لِلْحُبُسِ مِنَ الثَّمَنِ فِي حِصَّتِهِ اشْتُرِيَ بِهِ مَا يَكُونُ حُبُساً فِي مِثْلِ مَا جَعَلَهُ فِيهِ الْمُحَبّس مِنْ أَشْرَاكِهِ أَوْ شَرِيكِهِ، وَمَا صَارَ لِشُرَكَائِهِ مِنَ الثَّمَنِ قُسِمَ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ حِصَصَهِمْ” [المعيار المعرب: 7/76]، والله أعلم.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

حسن سالم الشريف

عبد الرحمن حسين قدوع

 

الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

15//ربيع الآخر//1443هـ

21//11//2021م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق