بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4136)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
نحن أبناء قبيلة (ش)، نملك أرضًا بوادي (غ)، التابع لبلدية (م)، اشتراها أجدادنا من بيت المال في أواخر القرن الثالث عشر الهجري، وقسمها أجدادنا إلى خمسة وعشرين قيراطًا، واجتمع أجدادنا في سنة 1340ه، واتفقوا على المقاسمة، وبينوا نصيب كل شخص من العائلة في الأرض المذكورة، علما بأن الأرض المقسومة على اتفاق 1340ه يتم فيها التناول بالحرث والزرع في أوانه، وكفِّ اليد العادية عنها، أي بجميع التصرفات المعتبرة والمثبتة للملكية، كل في حصته، كما بينته المقاسمة، من وقتها إلى يومنا هذا، ولا نعلم اعتراض أحدٍ من أجدادنا أو مَن بعدهم على المقاسمة التي وقعت، فهل يجاب لشخصٍ من العائلة أبرزَ حجة لعقد شراء تاريخها سابق لمقاسمة 1340ه، أم لا؟
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فإذا كان الواقع كما ذكر في السؤال، فإنّ القسمة التي تراضيتم عليها ماضيةٌ، لازمةٌ، لا يحقُّ لأحد الرجوع عنها، ولو حصل بها غبنٌ، ما دام الجميع قد رضُوا بها، وكانوا بالغين راشدين، ومضت على القسمةِ مدَّةٌ طويلةٌ، سنة فأكثر؛ لأنها من العقود اللازمة، قال ابن رشد رحمه الله: “الْقِسْمَةُ مِنَ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ، فَإِذَا وَقَعَتْ… بِوَجْهٍ صَحِيحٍ جَائِزٍ لَزِمَتْ” [المقدمات الممهدات: 3/104]، وقال الباجي رحمه الله: “وَأَمَّا قِسْمَةُ المْرَاضَاةِ بِغَيرِ تَقْوِيمٍ وَلاَ تَعْدِيلٍ، فَهْوَ أَنْ يَتَرَاضَى الشُّرَكَاءُ عَلَى أَن يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا عُيِّنَ لَهُ، وَيَتَرَاضَوْا بِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْوِيمٍ وَلاَ تَعْدِيلٍ، فَهَذِهِ الْقِسْمَةُ تَجُوزُ فِي المُخْتَلِفِ مِنَ الْأَجْنَاسِ، وَلاَ قِيَامَ فِيهَا لمِغْبُونٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مَا صَارَ إِلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ عَلَى قِيمَةٍ مُقَدَّرَةٍ وَلاَ ذَرْعٍ مُقَدَّرٍ، وَلاَ عَلَى أَنَّهُ مُمَاثِلٌ لِجَمِيعِ مَا كَانَ لَهُ، وَإِنَّمَا أَخَذَهُ بِعَيْنِهِ عَلَى أَنْ يَخْرُجَ بِذَلِكَ عَنْ جَمِيعِ حَقِّهِ، سَوَاءٌ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ، وَهَذَا الضَّرْبُ أَقْرَبُ إِلَى أَنَّهُ بَيْعٌ مِنَ الْبُيُوعِ” [المنتقى: 5/391]، وهذا الحكم يسري على الجميع؛ من حَضرَ القِسمَةَ وَسَكَت ولَم يعترض حينها، ومن لم يحضر وسمع بها وسكتَ من أجدادكم، فالقسمةُ لازمة للجميع، وكذلك الحال بالنسبة لورثتهم، قال ابن سلمون رحمه الله: “وَإِذَا اجْتَمَعَ الشُّرَكَاءُ عَلَى الْقَسْمِ وَقَعَدَ أَحَدُهُمْ، وَقَسَمَ الْبَاقُونَ، وَعَرَفَ قِسْمَتَهُ وَمَوْضِعَهُ فَمَكَثَ وَلَمْ يُغَيِّرْ بِقُرْبِ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْقَسْمُ، وَمَضَى عَلَيْهِ” [حلى المعاصم لبت فكر ابن عاصم: 1/386].
عليه؛ فالقسمة المذكورة لازمةٌ لكلِّ المقتسمين، لا يجوز نقضُها بعد هذه المدة الطويلة، وبعد هذا التصرف الكامل في الحصصِ من المقتسمين وورثتهم، ولا اعتداد بالحجة التي أظهرها بعض الورثة قبل أن تحصل المقاسمة والتصالح بين أبناء القبيلة، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
عبد الدائم بن سليم الشوماني
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
06// رجب// 1441هـ
01// 03// 2020