كيفية إخراج زكاة متأخرة عن ذهب موروث؟
زكاة الحلي الملبوس والثقيل
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4578)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
توفيت أمي، وكانت تمتلك بعض الحلي، من السّبعينيّات والثّمانينيّات في القرن الماضي للزينة، وفي السنين الأخيرة عندما ساءت حالتها الصحية، قمنا بجمع الحلي عند أختي الكبيرة؛ لتتولى الإنفاق عليها منه، وبعد وفاتها بقي جزء منه، وحسب علمنا فإن أمي قامت بدفع الزكاة بطريقة تقديرية، دون حساب صحيح، فهل تجب فيه الزكاة؟ وما هي السنوات الواجب تزكيتها؟ وهل يجب على الورثة الآن إخراجها؟ وفي حال وجوبها؛ هل يجوز أن نعطيها لأحد أبناء المتوفاة؛ لكونه استدان لبناء منزله، وهو معسر، ولا يملك شيئًا زائدًا عن حاجته الأساسية؟
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فإن الذهب المعدّ للزينة، إن كان بالقدر الذي تتزين به المرأة عادةً في معظم أوقاتها، فلا زكاة فيه، وإن لم تستعمله، وعدم زكاة ذهبِ الزينة هو قول جمهور أهل العلم؛ للآثار الواردة عن الصحابة في ذلك، منها ما رواه مالك رحمه الله عن ابن عمر رضي الله عنهما: ” أَنَّهُ كَانَ يُحَلِّي بَنَاتَهُ وَجَوَارِيَهُ الذَّهَبَ، ثُمَّ لاَ يُخْرِجُ مِنْ حَلْيِهِنَّ الزَّكَاةَ” [الموطأ: 1/250]، لكن إن كان من الوزن الثقيل، الذي لا يستعمل إلا نادرًا في مناسباتٍ قليلةٍ، فحكمه حكم المعد للكنز، يجب أن تزكيه، إن بلغ نصابًا -بنفسه دون الخفيف المعد للزينة – وهو: 85 جرامًا من الذهب الخالص فما فوق، من عيار 24 أو ما يعادله، وفي هذه الحالة، فإن تحقق الورثة مِن عدم إخراج المتوفاة للزكاة طيلة السنين الماضية، فيجبُ عليهم إخراجها مِن رأس مالِ التركة قبل قسمتها، قال الدسوقي رحمه الله: “قَوْلُهُ: (ثُمَّ زَكَاةٌ لِعَيْنٍ أو غَيْرِهَا) أَيْ وَجَبَتْ عليه لِعَامٍ مَاضٍ وَفَرَّطَ فيها… فَإِنْ لم يُوصِ بِإِخْرَاجِ تِلْكَ الزَّكَاةِ التي فَرَّطَ فيها ولم يُشْهِدْ بِبَقَائِهَا في ذِمَّتِهِ لم تُخْرَجْ مِن الثُّلُثِ وَلَا من رَأْسِ الْمَالِ لِحَمْلِهِ على أَنَّهُ كان أَخْرَجَهَا مَا لَمْ يُتَحَقَّقْ عَدَمُ إخْرَاجِهِ لها وَإِلَّا أُخْرِجَتْ من رَأْسِ مَالِهِ” [حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 4/441]، فيحسب الورثة الزكاة من سنة امتلاكها للحلي وبلوغه النصاب ومرور حولٍ عليه، إلى سنة وفاتها، إذا لم ينقصِ الحلي عن النصابِ خلال هذه الفترة، ولابدّ من معرفة ما كان عندها في كل عام، ثم يخرج ربع العشر عن كل عام، ويجوز إعطاء الزكاة لابن المتوفاة المعسر، الذي عليه دينٌ عجزَ عن سداده، ولا يستطيع الوفاء به؛ لأنه من الغارمين، وهم أحد مصارف الزكاة الثمانية، الواردة في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [التوبة: 60]، بشرط أن يكون قد استدان في أمر مباح، فإن استدان في سرف أو سفه فلا يعطى، إلا إذا تابَ وحسنت توبته، قال القرطبي رحمه الله: ” قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالْغَارِمِينَ) هُمُ الَّذِينَ رَكِبَهُمُ الدَّيْنُ وَلاَ وَفَاءَ عِندَهُمْ بِهِ، وَلاَ خَلَافَ فِيهِ، اللَّهُمَّ إِلاَّ مَنِ ادَّانَ فِي سَفَاهَةٍ، فَإِنَّهُ لاَ يُعْطَى مِنْهَا، وَلاَ مِنْ غَيْرِهَا، إِلاَّ أَن يَتُوبَ”[تفسير القرطبي:8/183]، وقال ابن جزي رحمه الله في تفسيره: “(وَالْغَارِمِينَ) يَعْنِي: مَن عَلَيْهِ دَيْنٌ، وَيُشْتَرَطُ أَن يَكُونَ اسْتَدَانَ فِي غَيْرِ فَسَادٍ وَلاَ سَرَفٍ” [التسهيل لعلوم التنزيل: 1/341]، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي امحمد الجمل
حسن سالم الشّريف
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
15//ذي الحجة//1442هـ
25//07//2021م