بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (649)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
شخص له زوجتان الأولى متوفاة, وكلما تحصل على مال وهب منه لأبنائه من الزوجة الثانية دون الأولى, فهل يحق له ذلك؟.
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالمطلوب من الوالد العدل بين أولاده في الهبات, وذلك من العدل الذي أمر به الله تعالى في قوله:” إن الله يأمر بالعدل والإحسان”(النحل 90), وقد جاء في الصحيحين واللفظ لمسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير بن سعد رضي الله عنه لما نحل ابنه النعمان نحلاً وأتى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على ذلك فقال له: “يا بشير ألك ولد سوى هذا؟ قال: نعم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكلهم وهبت له مثل هذا؟ قال: لا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تشهدني إذا ، فإني لا أشهد على جور، وفي رواية لهما قال له أيضا: “فأرجعه”. وفي رواية لمسلم : “اتقوا الله واعدلوا في أولادكم, فرد أبي تلك الصدقة”. وفي رواية عند أحمد : “إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم”.
فتفضيل الأبناء بعضهم على بعض من غير سبب ذريعة للتباغض والعقوق والكراهية بينهم، خاصة إذا كانوا غير أشقاء, فالواجب على الوالد أن يحفظ الود في قلوب أبنائه، ولا يكون ذلك إلا بالعدل.
والأمر بالعدل في الحديث حمله جمهور العلماء على الندب, قالوا: لقوله صلى الله عليه وسلم في بعض ألفاظ الحديث:” أَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي” وهذا إذن بالإشهاد على ذلك, ولأنه لو كان حراما ما فعله الخليفتان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما, فقد نحل أبوبكر الصديق ـ رضي الله عنه ابنته عائشة رضي الله عنها عشرين وسقا بالغابة, واختصها بها دون أختيها, كما جاء ذلك في الموطأ برقم (436), وأعطى عمر رضي الله عنه ابنه عاصما رضي الله عنه دون سائر ولده (السنن الكبرى للبيهقي6/292).
قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله:” وقال مالك والليث والثوري والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم: لا بأس أن يفضل بعض ولده بالنحلة دون بعض, ويؤثره بالعطية دون سائر ولده, وهم مع ذلك يكرهون ذلك… والتسوية في العطايا إلى البنين أحب إلى جميعهم, وكان مالك رحمه الله يقول: إنما معنى هذا الحديث الذي جاء فيه فيمن نحل بعض ولده ماله كله, قال: وقد نحل أبو بكر عائشة دون ولده” (الاستذكار7/226).
وعليه فإن وقع تفضيل بين الأولاد صح مع الكراهة, وتستحب المبادرة بالرجوع إلى التسوية, إلا إذا كان بقصد الإضرار, والحرمان من الميراث, فيحرم حينئذ.
والمطلوب هو العدل وليس التسوية, فلو كان بعضهم مريضا أو صغيرا أو معه زيادة بر وعناية بوالديه وميزه بشيء فلا حرج, والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
11/المحرم/1434هـ
2012/11/25