لا تجوز الوصية لوارث
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2224)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
أوْصَى (س) بثلث ميراثه، صدقةً لأولاده الذكور، ما داموا على قيد الحياة، شريطة أن يقيموا له تاليفًا وختمةً للقرآن كل عام، والباقي بعد الثلث يكون لجميع الورثة حسب الفريضة الشرعية، فما هو حكم هذه الوصية؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالوارثُ لا يجوز أن يُوصَى له، لا بالقليل ولا بالكثير؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله أعطى لكل ذي حق حقَّه، فلا وصيةَ لوارث، إلا أن يشاء الورثة) [أبوداود:2870]، ولأن الوصية للوارث تؤدي إلى أن يأخذ من المال أ كثرَ مما فرض الله تعالى له، ويحرم غيره، وهذا من تغيير فرائض الله، والتعدي على حدوده، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَّتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [البقرة:229]، كما أن العدل بين الأولاد مطلوب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا في أولادكم) [مسلم:1623]، فإن كان هذا الموصى به لم تتم حيازته في حياة الموصي؛ فلا تُعدُّ الوصية نافذة صحيحة، وهي باطلة، وترجع ميراثًا، فتقسم أموال الموصي على الفريضة الشرعية، ويعطى كل ذي حق حقه، ففي المدونة: “قال سحنون رحمه الله: سألت ابن القاسم: أرأيت لو أن رجلا تزوج جارية بكرًا قد طمثت، أو لم تطمث، وهي في بيت أبيها، فتصدق الزوج عليها بصدقة، أو وهب لها هبة وأشهد عليها، إلا أنه لم يخرجها من يده، أيكون حائزًا لها في قول مالك؟ قال: لا يكون حائزًا لها إلا أن يخرجها من يديه، فيجعلها لها على يدي من يحوزها لها) [409/4].
أما إن حازوا ما أوصى لهم به، فعليهم أن يلتزموا بما شرطه الموصي على الفقراء والمساكين والمحتاجين، من طلبة العلم؛ لأن هذا في معنى ما أوصى به المتصدق، وهو إطعام الطعام فيما يسمى بـ(التاليف)، فقد كان الناس في أمس الحاجة إليه قديمًا؛ للفاقة الشديدة، وعدم توفر القوت في البيوت، أما الآن فقد تغير الحال، فالأولى والأنفع أن يتصدق بتكلفة هذه التواليف، مالًا أو تموينًا، من المواد الغذائية واللحم، على الفقراء والمحتاجين من القرابة، والجهة التي بها المتصدق، وتصرف أموال الختمة على طلبة القرآن؛ لأن قراءة القرآن للميت بأجرة منهي عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اقْرَءُوا الْقُرْآنَ، وَلا تَغْلُوا فِيهِ، وَلا تَجْفُوا عَنْهُ، وَلا تَأْكُلُوا بِهِ، وَلا تَسْتَكْثِرُوا بِهِ) [أحمد:15529].
عليه؛ فالوصية المرفقة إذا لم يحزها الموصى لهم قبل موت الموصِي، فهي وصية للورثة، ولا تجوز الوصية لوارث، إلاّ إذا أجاز الورثة ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقَّه، فلا وصية لوارث) [الترمذي:2120]، والله أعلم.
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
محمد الهادي كريدان
أحمد ميلاد قدور
غيث بن محمود الفاخري
نائب مفتي عام ليبيا
03/جمادى الأولى/1436هـ
22/02/2015م