بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5046)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
طلقني زوجي من قبلُ مرتين في المحكمة، وأرجعني بعد كلِّ طلقة، والآن وقعَ بيننا شجارٌ، وقال لي: (كان تطلعي من البيت اعتبري نفسك مطلقة)، ثم جاءت أمي وأرجعتْني لبيتِ أهلي، وقال زوجي بأنه كان غاضبًا، ولم يقصد اللفظ، فما الحكم؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن الطلاق باللفظ الصريح يقعُ، ولو لم يقصدْ به الزوجُ حلّ العصمة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ، وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ) [الترمذي: 1184، حسن]، وقال الدردير رحمه الله: “(وَلَفْظُهُ الصَّرِيحُ) الَّذِي تَنْحَلُّ بِهِ الْعِصْمَةُ -وَلَوْ لَمْ يَنْوِ حَلَّهَا- مَتَى قَصَدَ اللَّفْظَ (الطَّلَاقُ) كَمَا لَوْ قَالَ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي… (وَطَلَّقْتُ)… (وَطَالِقٌ)… (وَمُطَلَّقَةٌ)” [الشرح الصغير: 559/2]، والطلاق المعلّق على شيءٍ، كالخروج من البيت أو نحوه، يقع إذا وقع المعلَّق عليه، عند جماهير أهل العلم، من المذاهب الأربعة وغيرها؛ لما جاء عن نافع رحمه الله أنه قال: “طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ إِنْ خَرَجَتْ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: إِنْ خَرَجَتْ، فَقَدْ بُتّتْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ” [البخاري معلقا:45/7].
عليه؛ فبِخروج الزوجةِ من البيتِ تعدّ الطلقة الثالثة واقعةً، وبها تَبِينُ الزوجةُ من زوجها بينونةً كبرى، ولا تنفعه نيته عدمَ إرادةِ الطلاقِ؛ مادام أنه يعِي ما يقولُ؛ لأن لفظ الطلاق الصريح لا يحتاج إلى نية الطلاق، ما دام اللفظ مقصودا بالنطق، كما تقدم، واستنفد الزوج بذلك الطلقات التي جعلها الشارع الكريم؛ فلا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره نكاحَ رغبةٍ، ويطلِّقَهَا أو يموتَ عنها؛ لقوله تعالى: ﴿فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَّتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَنْ يُّقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾ [البقرة: 230]، قال القرطبي رحمه الله: “وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ فَلَهُ مُرَاجَعَتُهَا، فَإِنْ طَلَّقَهَا الثَّالِثَةَ لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ” [الجامع لأحكام القرآن:127/3]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
19//جمادى الأولى//1444هـ
13//12//2022م